2012/10/01

سمو الجنس البشري.. ومحنة الأتان (أنابكا)..


داخَلني الشك، كما البعض، في السنوات الأخيرة بشأن صحة فرضية المكانة الفريدة للجنس البشري، وسموه العقلي والأخلاقي .. هذا الموقف كان انعكاسا لمشاعر الاحباط  من الجشع الإنساني، المدمر للبيئة، والذي تسبب في مرض الكرة الأرضية، وارتفاع درجة حرارتها إلى مستويات قياسية، وصلت في مدينة موسكو الباردة عام 2010 إلى الأربعين، ناهيك من الجرائم الجماعية والفردية العنيفة والدموية والتي أصبحت سلوكا طبيعيا معتادا وليس استثناء.. إلا أن محنة مرت في الفترة الماضية بأتان تدعى (أنابكا) في السابعة عشر من عمرها على شواطئ البحر الأسود الروسية أعادت إليّ الأمل في رفعة الجنس البشري، وقدرته على إثبات سموه الروحي، وإظهار قيم الخير من أعماقه السحيقة.
القصة بدأت حين لمح عدد من رجال الأعمال (أنابكا) على الشاطئ، فقرروا لفت انتباه المصطافين إلى خدمات الترفيه التي يقدمونها، وربطوا الأتان بمظلة طارت بها إلى الأجواء العالية.
هذا الحادث لم يمر مرور الكرام، إذ صور ونشر على الشبكة العنكبوتية، فتعالت الأصوات الغاضبة المنددة به في روسيا وخارجها، بل كاد أن يتسبب في أزمة دولية. هذه الأتان استيقظت بعد تحليقها الاجباري في عالم آخر، فقد غمرتها الشهرة واحتضنها تعاطف إنساني كبير بعد أن كانت مهملة لا يدري بها أحد..
هرع المراسلون والصحفيون إلى البحث عن المسكينة (أنابكا) وبعد تفتيش وتمحيص تمكنوا من العثور عليها وتمييزها عن غيرها من أبناء جلدتها. وبفعل الضجة التي أثارتها الصحافة الصفراء الانجليزية حول سوء المعاملة الذي تعرضت له، بادر أحد أقطاب هذه الصحافة الشعبية بشراء الأتان من مالكها مقابل ألف جنيه استرليني..
 كُسيت (أنابكا) كما يجب ونُقلت لتهدئة روعها وإعادة تأهيلها إلى مدرسة لتعليم ركوب الخيل في ضواحي موسكو قبل أن ترحل معززة مكرمة إلى بيتها الجديد في بريطانيا العظمى.
في مطار موسكو .. ظهر على شاشات التلفزيون مندوب الصحافة البريطانية الصفراء الذي قطع آلاف الأميال لمرافقة (أنابكا) إلى موطنها الجديد .. كادت الدموع تطفر من عينيه، وهو يتحدث باسمها عن محنتها، والصدمة النفسية الهائلة التي ارتج لها كيانها، فوصل صداه إلى الشرق والغرب ..
بعد وصولها إلى لندن رفقة مندوب الصحافة البريطانية الصفراء، خرجت (أنابكا) إلى مستقبليها من الصحفيين والجمهور باستحياء، فتعالت الهتافات، ودوى التصفيق من كل جانب.. عقد الصحفيون مؤتمرا أعلنوا خلاله أن مدرب نادي توتينغهام غاري ريدناب طلب تبني (أنابكا) وضمها إلى حظيرته التي تحوي حيوانات متنوعة تعرضت لأزمات ومحن قاسية.
هنا وصلت محنة الأتان (أنابكا) إلى نهايتها السعيدة، وتغيرت معها قناعة سابقة تملكتني ردحا من الزمن، إذ كنت أعتقد أن من يحكم العالم ويتحكم في مصائره هي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، إلا أنني أميل الآن إلى الاعتقاد بأن من يقود العالم، الدعاية البراقة، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية...


محمد الطاهر الحفيان

هناك تعليق واحد:

  1. لم تقابلني مثل هذه الحادثة ولذلك مازلت اشك في أن الانسان المعاصر هو الارقى ... إنه يحاول الوصول الى ماهو امامه بالصعود عموديا الى الاعلى .. وقد ارهق نفسه ولم ولن يصل مالم يصحح اتجاهه

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...