2012/01/13

الخروج من نفق الدكتاتورية إلى المجهول


تكمن اشكالية التخلف الاجتماعي والحضاري  في  أنها تعطي لأصحابها هامشا وهميا من الإحساس بالعافية والإطمئنان، الأمر الذي يساهم في استدامة هذه المشكلة ويؤخر الخروج من أسرها  ذاتيا أو من خلال عملية منظمة لمعالجتها ...
هذه المقدمة ضرورية لفهم ما يستجد الآن في ليبيا من  مواقف ومن أحداث بعد التطورات العميقة المتسارعة باسقاط  نظام القذافي الكريه عبر عملية جراحية  قاسية نكأت جروح الماضي واضافت شروخا جديدة في جسد اللحمة الوطنية..
سقوط القذافي ونظامه في ملحمة التغيير الكبرى أزاح الغطاء عن تركة كبيرة من القروح والأمراض التي تفشت خلال 42 عاما من الفوضى والعبث. هذا الحدث التاريخي جلب الحرية وآمالا كبيرة بمستقبل زاهر، وبنظام ديموقراطي يكون نقيضا في الهدف وفي الأسلوب لدكتاتورية القذافي ذات النتائج الكارثية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.. إلا أن اللافت أن التغيير يحدث في بيئة، موبوأة بتخلف اجتماعي مريع،  وبنهم شديد لتحقيق مكاسب جهوية وايديولوجية، وبالتالي فالتغيير يمر عبر أزمات ومحن كبيرة ومعقدة خاصة مع غياب سلطة سياسية مركزية قوية قادرة على كبح جماح الانفعال وشهوة الانتقام والاستحواذ.

بعد سقوط القذافي دخلت ليبيا في امتحان عسير. امتحان للقدرة على التحمل والتماسك وتجاوز المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر. والأهم عدم الدخول في متاهة حرب أهلية مقوماتها واضحة للعيان شئنا ذلك أم أبينا.  وهي  تكشر عن أنيابها في وقاحة متربصة بأمننا وبمستقبل أجيالنا.
 زهو البعض بقوته ونشوته بالانتصار الذي يُجير، لجهة أو فئة يجعل من بناء مؤسسات الدولة الجديدة مهمة شائكة ومعقدة خاصة مع تكدس السلاح لدى جميع الفرقاء.. فرقاء تقودهم أهواء قبلية أو دينية مذهبية نصبوا أنفسهم أوصياء على مسستقبل ليبيا .. هذه الوصاية  تستمد  قوتها من بيئات اجتماعية محلية متخلفة، وبيئة اجتماعية كلية ضعيفة الإحساس بالهوية الوطنية.
الحالة الراهنة تدفعنا إلى التوجس خيفة مما يخبئه المستقبل لنا مع استمرار حالة الوهن السياسي وتراكم الاخطاء بل والدفاع عنها وتبريرها وغياب الشعور بالمسؤولية الوطنية لمعالجة آثار التغيير الكارثية،  إضافة إلى عمق نوازع الثأر التي نراها تقمع بعنف أي محاولة للمصالحة ونسيان الماضي، لنصبح بنشوة انتصارنا أمام المجهول وجها لجه.  
استفحال النعرات القبلية الجهوية والمذهبية التي تكتسب يوما بعد آخر زخما جديدا لن يؤدي إلا إلى الخراب وإلى مزيد من المآسي وخسارة الحاضر والمستقبل. والأمثلة على ذلك كثيرة وأكثرها قربا من واقعنا الاجتماعي والسياسي الصومال وأفغانستان . 
هذه الأمثلة ليست بعبعا لإخافة ذوي القلوب الرقيقة ولا لإحباط المتفائلين، كما أنها ليست نكاية بالمتعامين عنها،  فهي نتاج جلي على أرض الواقع يُرى بالعين المجردة.
 الصومال خرجت عام 1991 من ربقة دكتاتورية عسكرية  لتدخل نفق حرب أهلية قبلية ومذهبية لا تلوح نهاية لها منذ ذلك الوقت .. أما افغانستان فبعد أن خرجت من حرب مقدسة ضروس مع الاتحاد السوفييتي دخلت في حرب لا تقل قداسة وشراسة بين قبائلها ومجاهديها وصولا إلى  مأساة 11 سبتمبر والتضحية بأرواح آلاف البسطاء في دوامة من المغامرات والحروب لانهاية لها ولا هدف.
يخطئ كل من يعتقد أن ليبيا معصومة من الحرب الأهلية وأهوالها، أو أن مقوماتها لا تسمح بمثل هذا  المصير القاسي.. يخطئ من يعتقد أن بعضنا لن يرث طغيان الجلادين وحماقتهم. يخطئ من يعتقد أن اللاعبين الطارئين الذين وجدوا أنفسهم فجأة بسلطات واسعة في القمة سيكونون مسؤولين وعقلاء وسينظرون إلى البعيد بحنكة تنزلت عليهم فجأة وبحكمة ظهرت من تلقاء ذاتها وسيتصرفون  بمسؤولية وطنية ولن يلقوا بنا وبأنفسهم إلى التهلكة.
د. محمد الطاهر الحفيان

هناك 30 تعليقًا:

  1. تكمن اشكالية التخلف الاجتماعي والحضاري في أنها تعطي لأصحابها هامشا وهميا من الإحساس بالعافية والإطمئنان، للراحل الصادق النيهوم تعريف ( للجاهل ) قريبة جدا من هذا الطرح , أخي محمد أتفق معك تماما في جل ما ذكرت , و ربما الخطورة الاكبر على مستقبل ليبيا هي الجهوية البغيضة التي أطلت براسها مع نهايات الثورة ,مجرد رأي

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...