2013/06/23

ليبيا.. وكوابيس الحرية




أعتقد اننا في أزمة حقيقية، لكنها ليست سياسية كما يبدو للوهلة الاولى، وليست عارضة أيضاً.
أزمتنا هي عرينا الحضاري الذي لم نكن نحس بكامل وطأته أثناء مكوثنا الطويل في سجن القذافي. كنا آنذاك نلوذ بأنفسنا ونرى القبح فيه وفيما يصدر عنه . قبحنا قياسا بقبح النظام كان فرديا واستثنائيا بشكل ما، وبخاصة في درجاته القصوى الكريهة، بحسب ميزان ثقافتنا السائدة. هامش الحرية الضيق طيلة 42 عاما من حياة القطيع جعلتنا نتوهم أننا أنقياء أتقياء بخصال فريدة، في مقابل بشاعة القذافي الظاهرة وعفونة نظامه الصادمة.. هذا الوهم تعاظم حتى جعلنا نتعالى على شعوب مجاورة، ونظهر تجاهها قدرا غير يسير من الاحتقار لا مبرر له ولا سند.. بل ولتأكيد نزاهتها، الكثير منا احتقروا شعوبا بعيدة عنا، أكثر ثراءا ورفاهية في بعض دول الخليج.. بعد انهيار نظام القذافي وخروجنا من المعتقل، بدأت تتكشف أمامنا الحقائق وصرنا نرى وجوهنا ووجوه من حولنا في مرايا الأحداث بعيون مدهوشة فزعة كما لو أننا في كابوس. واقعنا أيها الإخوة كابوس حقيقي فيه من الرعب الدموي ما يقطع الأنفاس، ومن الفساد الأخلاقي ما يندى له الجبين. وهكذا تمكنا أخيرا من رؤية أنفسنا بعيدا عن أوهام طهارتنا الإجبارية التي كنا نستأنس بها أيام كآبتنا تحت خيمة القذافي، وفي جوف عباءته الصوفية الخشنة. عرتنا الحرية أيها السادة، وحتى الآن لا نجد أي أثر محسوس لملامحنا الإنسانية، ولذلك نعيش الآن في غابة، نحرص على ديمومتها لأنها، كما يبدو حتى اللحظة، تلائم طباعنا الحقيقية. كنا نمقت فوضى القذافي، ونحن الآن ندافع عن فوضانا، الأكثر إسرافا ، بغيرة من يدافع عن شرفه.

محمد الطاهر الحفيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...