2013/06/06

الكلاب الشاردة.. وثوب ليبيا الناصع




شاءت الصدف أن تربطني علاقة صداقة بقنصل روسيا الاتحادية في ليبيا عام 2007 .. التقينا في متجر للمواد الغذائية في طرابلس، وكان منهمكا في حوار مع صاحب المتجر. كان الحديث الودي يدور بلغة عربية شحيحة مطعمة بكلمات انجليزية وروسية.. تدخلت للمساعدة في الترجمة بين الطرفين.. اندهش القنصل وترك البائع وشأنه وانهال علي بالأسئلة كما لو أنه عثر على قريب له بعد طول غياب.
الدبلوماسي الروسي المخضرم كان يحمل انطباعا رائعا عن ليبيا وعن الليبيين. أدهشني تواضعه وبساطته رغم أنه من سكان موسكو الذين يًعرف عنهم تحفظهم وانغلاقهم بدرجة ما.. قصّ عليّ الدبلوماسي الروسي حكايات شائقة عما رآه من الليبيين من احترام وخصال لم يعهدها في أي مكان آخر خلال تجربة عمله في دول أفريقية كثيرة، بل إنه بطفولة أسر لي بأنه يريد أن يقضي بقية حياته وزوجته في ليبيا إذا سمحت الظروف له بذلك..
في أحد الأيام استضافني في منزله الواسع والأنيق في طرابلس.. وكان طيلة الوقت يعدد محاسن الليبيين ويمتدح طيبتهم وبساطتهم. بالطبع أسعدتني انطباعاته الحميمة إلا أنني كنت حائرا ومندهشا من الصورة الملائكية التي يحملها عنا أكثر من احساسي بالرضى أو الفخر.
لاحظت أنه يربي كلبا في فناء منزله .. حين اقترب الكلب متمسحا برجلي الدبلوماسي الروسي، مرت سحابة غطت على فرحه الطفولي ما أن بدأ بسرد قصة عثوره على صديقه هذا من ذوات الأربع كما يقولون باللغة الروسية.
كان الكلب يمثل لدى صاحبي نقطة سوداء في الثوب الليبي الناصع البياض.. قال إنه عثر عليه على شاطئ البحر وقد تجمعت حوله جمهرة من الشباب وهم يتفنون في تعذيبه وإيذائه وهم يتصايحون ويصرخون فيما كان المسكين يعوي ألما منكمشا وهو يحاول اتقاء ضربات عصيهم وقضبانهم الحديدية.. قال إنه نزل من سيارته ونهر هؤلاء بكل اللغات التي يعرفها.. انفضوا عن الكلب المسكين وهم في حيرة من أمرهم لتدخل هذا الغريب وحنانه على "كلب".
حمل الدبلوماسي الروسي الكلب المدمى في سيارته وقام بعلاجه وأبقاه في منزله مرفها مدللا كما لو كان ابنه البكر.
الرجل حاول طي هذه القصة بسرعة وعاد إلى تغزله بليبيا وبأهلها الرائعين.. وقال لي إنه حين يتشاجر مع زوجته يخرج إلى الشارع ويتحدث مع أول جار يصادفه.. قال: نتواصل ونتفاهم بسرعة بكلمات متقاطعة باللغتين العربية والانجليزية وبمساعدة لغة الإشارات، وبعدها أعود إلى بيتي بمزاج طيب حين أجد من يقاسمني همومي.
الآن بعد كل ما حصل ويحصل في ليبيا، لا أدري ما أقول له إذا شاءت الصدف من جديد أن نلتقي..الحقيقة أنني لا أريد أن أقول له: أبشر يا صاحبي الآن نحن لا نعذب الكلاب والقطط الشاردة فقط ، نحن الآن من دون حسيب او رقيب نخطف غرماءنا ونغتال من تطوله رصاصاتنا، وبشكل منظم نقيم معتقلات نعذب فيها خصومنا ونشوه أطرافهم وننتزع الحياة منهم ونرميهم مثل " الكلاب" على قارعة الطريق.


د. محمد الطاهر الحفيان





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...