2012/03/22

أوهام روسية حول جنة القذافي الضائعة




تاه عدد  كبير من السياسيين والمتخصصين الروس بعيدا وهم يصوغون موقفهم مما يحدث في ليبيا حين تصاعد غبار المعارك ودخانها ملبدا سماءها التي سيطرت عليها مقاتلات الناتو خلال فترة الثورة ضد القذافي ونظامه.
هذه الحالة أنتجت أوهاما عدة حول حقيقة الثورة ضد القذافي وعمليات الناتو خلال الأزمة التي انتهت  بمقتله ونجله بطريقة دموية.
استند الموقف الروسي المساند للقذافي على معلومات  شاع ترديدها في وسائل الإعلام المختلفة حول حياة الشعب الليبي تحت حكم القذافي تؤكد التالي:

·       نصيب الفرد من الناتج الاجمالي المحلي هو 14192 دولار
·       لكل فرد في الاسرة تدفع الدولة  منحة مالية قدرها 1000 دولار في العام
·       لكل عاطل عن العمل تدفع الدول اعانة قدرها 750 دولار
·       مرتب الممرضات في ليبيا في ظل القذافي 1000 دولار
·       تدفع الدول 7000 دولار إعانة مقابل كل مولود
·       للمتزوجين الجدد تهب الدولة 64000 دولار مقابل سكن.
·       لفتح المشروعات الخاصة تمنح الدولة مواطنيها مساعدة قدرها 20000 دولار
·       الضرائب العالية والرسوم محظورة
·       التعليم والصحة بالمجان
·       التعليم والتدريب في الخارج على حساب الدولة
 انطلاقا من هذه المعلومات أو الحقائق بحسب مردديها فلا يمكن بأي حال أن يثور المواطن المرفه ضد ولي نعمته وصائن رخائه وبالتالي فالتفسير المناسب لما حدث في ليبيا هو أن مقاتلين أجانب من الدول العربية المجاورة ومن افغانستان هم من أشعل الحرب في ليبيا ضد القذافي بدعم بالطبع من الدول الغربية وحلف الناتو انتقاما منه لعدم سماحه باستباحة أراضي بلاده وثرواتها. 

هذا الموقف بكل حيثياته وجد أرضا صلبة استمد العديد منها الثقة لدرجة أن سفيرا سابقا للاتحاد السوفييتي في ليبيا أكد في مقابلة صحفية أن الثوار الذين يقاتلون القذافي ويظهرون على شاشات القنوات المختلفة ليسوا ليبيين ولا يتحدثوت باللهجة الليبية التي كما زعم يعرفها جيدا.
أحداث أخرى في ثورة 17 فبراير رآها سياسيون روس بطريقتهم الخاصة وأهمها سقوط طرابلس واقتحام معسكر باب العزيزية ومقتل القذافي حيث أكدوا أن قوات خاصة بريطانية وقطرية واماراتية هي من  لعب الدور الاساس وليس مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي الذين وصفوهم بالصبيان.
هذه المعطيات ساهمت في خلق مناخ جنائزي في روسيا تباكى  فيه الكثيرون على القذافي  معددين خصاله وانجازاته صابين جام غضبهم على الامبريالية والناتو والغرب ولم يروا  إلا النفط والهيمنة تفسيرا وجيها من وجهة نظرهم لما حدث.
من الصعب بدقة تحديد سبب هذا التيه الذي أضاع فيه عدد لا يستهان به من الخبراء والمتخصصين الروس ولا يزالون وقتهم وأعصابهم وهم يصرخون على شاشات القنوات الروسية وفي وسائل الإعلام الأخرى مرددين موقفا بُني على أوهام وخرافات عن قصد أو بدونه.
إلا أنه يمكن تبين عدد من الأسباب  والدوافع من بينها ما ترسخ في الوعي الروسي خاصة لدى الشيوعيين واليساريين والوطنيين  المتشددين من أنه بما أن الامبريالية الأمريكية والناتو في طرف فالقضية العادلة في الطرف المقابل.
وقياسا بما وقع في العراق فليبيا ليست إلا محطة تالية في الزحف الغربي الذي يشق طريقه نحو هدفه بالأكاذيب.
وهكذا لم يتمكن الروس من تحقيق شيء في تعاطيهم السياسي مع الأزمة الليبية وفي صياغتهم لموقفهم منها استنادا على معطيات مختلقة وبصيرة لم تر الواقع كما هو ما عرّض مصالحهم الاقتصادية الهامة في ليبيا للخطر. ورغم أن روسيا امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الخاص بتفويض الناتو بحماية المدنيين في ليبيا  إلا أن الساسة الروس  واصلوا الحديث عن تصنيع الغرب للأحداث الليبية بذريعة تصدير الديموقراطية وبأن مصير ليبيا من دون نظام القذافي سيكون حتما مثل الصومال وستأكلها الحرب الأهلية بل إنها ستختفي من الوجود بعد أن غاب النظام الذي كان ضمانة تماسكها ووحدتها واستقرارها.
لم ير الروس ولم يفهوا واقع ليبيا تحت حكم القذافي واستعاضوا عن ذلك بواقع متخيل لا أدري من أين استمدوا تفاصيله المبهجة ورخاءه ونعيمه.. نعيم صيغ في أرقام تناقض واقع القانون رقم 15 الخاص بالمرتبات  الصادر في عام 1981 والذي حكم بموجبه القذافي ليبيا مكرسا لما يقارب 30   عاما  الأجر الاساسي في ليبيا بـ 150 دينارا .. أي بنحو 130 دولارا.. حياة كفاف للغالبية العظمى من الشعب الليبي وبطالة فاقت 30 % في أوساط الشباب.. انتشار واسع للمخدرات وتدمير ممنهج للتعليم والصحة  وللبنية التحتية وغياب مؤسسات الدولة السياسية الطبيعية وتبادل مجموعة من المسؤولين من رفاق القذافي ومعارفه القدامى الذين اختارهم من خلال فرز قبلي خاص مواقع الإدارات العليا  في البلاد طيلة 42 عاما من حكمه الكئيب.
فوضى عارمة وقمع وصل حد قتل أكثر من 1200 سجين سياسي عام 1996 م  في يوم واحد وبدم بارد. 

عاش القذافي بالسيف تخدمه الدولة بدل أن يخدمها  سخر  ثروات شعبه لإرضاء نزواته وأوهامه وبناء مجده الشخصي متناسيا مواطنيه الذين  التهمتهم الفاقة والجهل والأمراض واليأس.. وحين فاض الكيل تفجر الوضع وكان ما كان وانتهى القذافي ونظامه .. مات بالسف كما عاش به.. التهمته نفس الشريعة التي رسخها في بلاده ازدراء القانون والتهكم على القواعد والأعراف والقيم .. مات القذافي بسيفه وبشريعته ولا عجب في أن يُقتل في مشهد قريب الشبه بمشهد تعذيب وسلخ عناصر من كتائبه الأمنية أحد حراسه المقربين..

د. محمد الطاهر الحفيان

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف4/20/2012 11:59 م

    سيدي المحترم أن مواطنة ليبية منذ الولادة وأنا اعيش علي تراب ليبيا واتنفس الهواء النقي الذي بالتأكيد لن تنكر أنه انقى واصفى هواء علي الاطلاق فلا يوجد تلوث في العاصمة طرابلس بعكس العواصم الأخرى ومن هنا اود أن أؤكد لك بأن الروس الذين لم يعيشون في ليبيا هم أذكاء من تحليلك العقيم والذي لا يمت للواقع بصلة فأنا لن انكر بأن النظام السابق والشريعية المغتصبة كانت تحمل بعض العيوب ولكن نحن الليبيون ندرك من أين جاءت هذه العيوب ومن دسها في المجتمع الليبي وانت كذلم تدركها ولا تنكرها
    سيدي الذي يحاول الروس افهامه لكم أن من ساعدكم من أجل اسقاط نظام وافساد وتدمير بلاد هو عدوا الرقم واحد لدى المسلمين جمعا وليس الخونة حصرافطلبي لك أن تطرح في كتاباتك المقبلة سؤال ودع العرب يجيبون عليه وهو ... لما كل هذا الاهتمام والدعم للثوار من قبل 40 دولة حتى أنهم خسروا جنودهم من أجل ذلك ويتكتمون على قتلاهم ؟ لما سمح الانتقالي بوجود قواعد في الجبل الغربي والجبل الاخضر والجنوب الليبي ؟ لما الان وليس في ايام العقيد معمر القذافي الانحلال صار في الشوارع والسرقة والقتل المباح دون رقيب ؟ لما كل من تم تنصيبهفي كرسي مؤقت يسرق المال ويفتح الحسابات في البنوك الخارجية ؟ مع العلم ان الشعب يعاني الخوف والجوع ؟ اسال وسوف تتحقق بان الروس ما هم إلا 1% من الذين يعون الحقيقية التي تحاولون تجميلها وشكرا

    ردحذف
  2. اعتقد ان روسيا حتى الآن لم تراجع سياستها الخارجية تجاه العالم العربى وكيفية التعاطى مع المستجدات خلال العشرين سنة الماضية ، لقد جاء الاداء الروسى فى الثورة الليبية شبيه بمواقف الاتحاد السوفييتى ايام الحرب الباردة ولم تستطع ان تدرك الواقع الجديد، ستظل روسيا تخسر علاقاتها السياسية والاقتصادية والانسانية ايضا مع العالم العربى اذا استمرت بنفس النهج السوفييتى الجامد، والافضل لروسيا ان تعيد النظر فى موظفيها بوزارة الخارجية خاصة من السفراء والموظفين الدبلوماسيين الذين قدموا تقارير مضللة كما فعل آخر سفير روسى فى طرابلس قبل سقوط القذافى وهو المسئول عن الارقام التى تداولها الكثير من الكتاب العرب وبعض الغربيين والروس من المتعاطفين مع نظام المقبور للتدليل على نظرية المؤامرة و الهجمة الامبريالية ألخ من كلشيهات يتم ترديدها لدى بعض القوميين العرب ومناصريهم من الانظمة الشمولية .

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...