2012/03/16

الفدرالية ودس السم في الدسم


بعض أصحاب النوايا الطيبة يحاولون الدفاع عن الفدرالية وتسويقها باعتبارها حلا شائعا لا ضرر منه متناسين ان الفدرالية في مجتمع قبلي ظهرت فيه نزعات قوية للاستحواذ والاستئثار بالسلطة وبالمكاسب السياسية والاقتصادية كليبيا (بعد أن تشظت السلطة المركزية) خطر حقيقي على وحدة الدولة وعلى وجودها.. الفدرالية لا مبرر لها في ليبيا البلد الصغير سكانيا والغني بالموارد الطبيعية.. ومواجهة المركزية بالفدرالية كما يحلو للكثيرن التغني بذلك خطأ كبير لأنها عودة عبثية إلى الوراء كما أنها تفتح شهية قوى سياسية صاحبة مصلحة في ابتلاع أكبر قدر من السلطة.. مسوقو الفدرالية يتناسون أن العالم تغير جذريا عما كان عليه بداية خمسينيات القرن الماضي وتتوفر الآن بدائل بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي تتيح القضاء على المركزية بطريقة أكثر نجاعة واسلم تطبيقا واقل خطرا وتهديدا لوحدة البلد الترابية .. حتى الدول الفدرالية الكبيرة مساحة وسكانا كروسيا بمؤسساتها العريقة وأجهزتها الراسخة تحاول باستماتة ضبط وتقييد الفدرالية كي لا تتحول سلطات الأقاليم إلى خطر يهدد وجود الدولة برمتها... جري ذلك بعد تجربة مريرة مرت بها روسيا الاتحادية في تسعينيات القرن الماضي حين بدأت بعض الأقاليم في الابتعاد عن السلطة المركزية بسن قوانين خاصة بها بل واستحداث عملة والبدء في اتخاذ خطوات نحو الانفصال.. وفي كل الأحوال مقارنة ليبيا بالدول الفدرالية الأخرى الكبيرة وذات الأنظمة القوية سذاجة وقلة حيلة وتدبير بل هي مجازفة خطرة إذ لو  نجحت الفدرالية في الحصول على موطأ قدم لها في ليبيا فالانفصال لا محالة واقع مهما كابر المكابرون !
الدعوة إلى الفدرالية ومحاولة فرضها من قبل بعض الوجهاء في شرق ليبيا لم تكن وليدة الصدفة ولم تأت كنداء من أعماق التاريخ كما يظن البعض .. هي في واقع الأمر نتيجة انهيار السلطة المركزية في ليبيا وتولي صلاحياتها القبائل والمدن!! هذا الواقع افرز طامحين وطامعين في استغلال الواقع السياسي الضبابي الحالي المعبر عن سلطة مركزية ضعيفة عبر حكومة من دون صلاحيات فعلية على الأرض تقريبا!
الفدرالية في جوهرها تعني الحكم شبه الذاتي وتبنيها يعني الاقرار بالأمر الواقع وتحويل ليبيا الى دويلات تحكمها أنماط وخلائط من المليشيات والتنظيمات الدينية وبقايا اقطاعية وأصحاب رؤوس الأموال  .. قوى متنوعة أغلبها استيقظ بعد أن اختفت مطرقة الدكتاتورية وأدوات قمعها!! الليبيون فتحوا أعينهم بعد انتهاء حقبة القذافي الكريهة على كوابيس الفوضى المسلحة وأمراء حرب ورث بعضهم فيما ورث سلوك القذافي وطغيانه وعلى وقع خطى مستقبل غامض بعد ان طفحت كل الأمراض والأوبئة التي نجح القذافي في تحفيزها وتغذيتها وإخفائها عن الأنظار عشرات السنين.

 الفدرالية هي الأخرى تعبير عن حالة فقدان الهوية والاتزان وسطوة النهم والنهب وشريعة الغاب وانفتاح شهية الكثيرين من المحسوبين على الثوار لابتلاع أكبر قدر من المكاسب والمغانم!! نهم وجشع يدفع ثمنه وطن تناساه البعض ويحاول البعض الآخر نحره أو بيعه او رهنه في سباق محموم بين فرقاء يبدون كما لو أنهم يؤدون واجبا مقدسا أو فريضة ..
الفدرالية وأمراء الحرب وأشباه الثوار الباحثين عن الغنائم والطالبين لها وجهان لعملة واحدة عنوانها الضياع والافلاس الحضاري والأخلاقي وهي في جوهرها انعكاس مأساوي لفقدان الاحساس بالهوية الوطنية .. كل ذلك يستشري الآن في جسد ليبيا كالوباء وإذا استفحل قد يقتلها فالدول مثل البشر تموت أيضا إلا أنها في حالتنا ستكون ميتة مأساوية لأن الموت الذي يهدد بلادنا ليس طبيعيا بل هو محاولة قتل كبرى عن سابق تصميم واصرار وترصد تشارك فيها أطراف عديدة من ذوي القربي !
 أيها السادة في مفهومي ليبيا فوق الجميع وهي لا تقبل القسمة إلا على واحد  .. ليبيا لا تباع ولا يقتطع من جسدها لاشباع نهم أحد بذريعة أنه من الثوار..

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف8/07/2012 5:48 ص

    هجوم رائع تشنه العاصمه الغير شرعيه عاصمة القذافي بعد الانقلاب بدل البيضاء العاصمه الشرعيه

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...