2012/01/04

ثوار ليبيا ومأزق شرعية القوة

أزاح الليبيون عن كاهلهم إرثا ثقيلا لسلطة كان جل همها القضاء على أي خطر يمكن أن يهدد هيمنتها المطلقة على مقاليد الأمور. هذه السلطة التي تركزت في يد رجل واحد استندت على شرعية الانقلاب التي أسبغ عليها القذافي من قاموسه السياسي الفج لفظ الشرعية الثورية.. أما جوهر  السياسة المتبعة في إدارة البلاد  فارتكزت على مبدأ اضعاف الشعب وتقييده وافقاره حتى يسهل قياده وانقياده. كل ذلك جرى وسط حمى من الشعارات الحماسية الفضفاضة وعلى قرع طبول النفير التي ما فتأ النظام يخترع له حججا  تلو أخرى لإرهاب الجميع..
وليس غريبا في هذا السياق أن يصرخ رأس النظام في وجه شعبه في بداية الثورة ضده بسؤاله الشهير: من أنتم؟ مضيفا عبارة شهيرة أخرى هي : أنا دافع ثمن بقائي هنا.. كل ذلك عكس مدى جنون النظام واستخفافه بشعبه الذي أريد منه ان يظل دائما ضحية تسبّح باسم جلادها معددة خصاله ليل نهار في صورة كاريكاتيرية قل مثيلها..
 احتكر القذافي مصير البلاد والعباد وابتدع لشعبه كل ما يمكن أن يسهم في الحط من قدره اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا .. وتمكن القذافي في فترة حكمه الطويلة من ارجاع عجلة الزمن إلى الوراء فتوقفت التنمية وتم القضاء على أغلب الظواهر الايجابية وحارب بعنف أي ثقافة خارج قاموسه السياسي الذي أجبر الجميع على اجتراره باعتباره حقائق لا تحتمل الجدل..
هذا بعض ما كان .. ذهب القذافي بلا رجعة ونال جزاء استهتاره وتكبره وطغيانه وتبدد نظامه الذي أراد له أن يكون أبديا .. إلا أن الأزمة التي تعيشها ليبيا اليوم  تكمن في أن ثوارها بمختلف مشاربهم القبلية والايديولوجية تقمصوا ثوب جلادهم واستعاروا قاموسه ومنطقه من دون أي حرج، حين شحذوا ألسنتهم  وسكاكينهم مطالبين بمقابل لبطولاتهم ولجهدهم في الاطاحة بالقذافي.. ما يحدث في ليبيا من صراع معلن وخفي على مفاصل السلطة والثروة والسلاح يكتسي طابعا بدائيا ومتخلفا بفعل الكارثة التي استمرت أكثر من أربعة عقود من التدمير الممنهج لمقومات المجتمع الليبي، ورغم ذلك فلا مبرر لهذا المنطق الذي يهدد مستقبل الجميع بل ووجودهم أيضا.  المنطق السائد الذي يدعي فيه الكثيرون امتلاك أحقية واسبقية في السلطة منزهين أنفسهم واتباعهم كما لو كانوا قديسين  تمثل استعادة جماعية لتجربة القذافي المرضية التي  أضفى من خلالها شرعية مزيفة على سلطة مطلقة استحوذ عليها بقوة السلاح..
منطق شرعنة القوة أسلوب فاشي إذا اصر زعماء الحرب وأمراء الكتائب عليه فسيسيرون إلى هلاكهم وهلاك أتباعهم  بعد أن يحرقوا الأرض التي من المفترض أنهم ثاروا  ضد القذافي لانقاذها من جوره.

د. محمد الطاهر الحفيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...