2011/10/04

أصوات نشاز تنعق لخراب وطن


يمكن  القول عن الدكتاتورية إنها قوة ضغط متحكمة تسيطر بنمطية خاصة وتحد من حرية الحركة والتفكير والفعل والإرادة.. وعلى هذا المنوال فان زوال هذه القوة الضاغطة يحدث خلخلة في الوعي الاجتماعي نتيجة الفراغ الثقافي والنفسي الناتج عن عقود من هيمنة القمع وخواء مناخ الدكتاتورية وخلوه من  ظاهرة الحوار المتمدن ومن أي تقاليد  سياسية سوية..
هذه المقدمة أرى أنها ضرورية لتسليط الضوء على نموذج يمثل هذه الحالة.. حالة  يمكن وصفها بأنها تعبر عن فقدان الاتزان لدى البعض بفعل النشوة من انزياح  كابوس السلطة القامعة..
فهاهو فتحي بن خليفة مواطن ليبي من الأمازيغ، الذين يشرفني شخصيا الإنتماء إليهم، يخرج علينا بنشوة انتخابه (رئيسا للكونغرس الأمازيغي العالمي) بكلام عن أن "أمازيغ ليبيا لا يجدون أي حرج في التعامل مع إسرائيل من أجل مصلحة الأمازيغ في العالم" ..

لم يجد هذا المناضل ضد الدكتاتورية  في نهاية المطاف إلا أن  يتقمص سلوكها فيتحدث باسم الأمازيغ بمنطق صاحب الشأن متجاهلا أن الأمازيغي البسيط شأنه شأن مواطنيه يرفض هذا الكيان العنصري والهمجي رغم ديموقراطيته الداخلية... والأدهى أن الرجل يجزم بأن أمازيغ ليبيا لا حرج لديهم في التعامل مع إسرائيل لمصلحة الأمازيغ في العالم. أي أن  الرقعة الجغرافية التي تسمى وطن ويطلق عليها في حالتنا ليبيا لا صلة لها بالموضوع، فود أمازيغ ليبيا، بحسب زعم هذا السياسي الطارئ،  يتوجه إلى خارج حدودهم، وقضيتهم مرتبطة بأمازيغ الدنيا، وليس بأشقائهم وأبناء وطنهم.. وهنا نرى تأثير نشوة (الانتخاب الدولي) وقد ذهبت بعقل هذا المناضل الذي لا يجد حرجا في دق اسفين العداوة بين أمازيغ ليبيا ومواطنيهم الآخرين من خلال طرح عنصري متعصب  يتجاهل قيم المواطنة واستحقاقات الجغرافيا والتاريخ بثوابته السياسية والفكرية  المنطقية..
وبالمناسبة كان القذافي نفسه طيلة فترة حكمه يُبعد أنظار الليبيين عن مشاكلهم إلى قضايا خارج حدودهم باسم القومية العربية تارة وباسم الإسلام تارة أخرى حتى رسى به التطواف على إفريقيا والمحصلة هدر للثروات ناهيك من الفقر والجهل والتخلف على كافة الصعد وضياع إثنين واربعين عاما من تاريخ ليبيا في مهب الريح .

للأسف إن ما طرحه فتحي بن خليفة من أفكار شاذة  ليس حالة استثنائية بل جزء من ظاهرة خطيرة تعالت بها أصوات مؤخرا بمنطلقات جهوية أو عرقية او ايديولوجية تحصر هدفها في ذاتها قافزة فوق الهوية الوطنية والواقع الاجتماعي بتراكماته التاريخية وتقاليده الفكرية بفعل نشوة الخروج عن سيطرة قوة غاشمة.. والنتيجة  ظهور أشخاص أقل ما يمكن القول عنهم إنهم انصاف مثقفين لا يجدون أي حرج في  الإعلان عن ولاءات افتراضية فيما بشبه الانتقام من الواقع الاجتماعي كما لو كان جزءا من الدكتاتورية السابقة..
حالة الفوضى وغياب قيم المنطق والعقل هذه أكثر خطرا من الدكتاتورية ذاتها لأنها تمهد لفك ترابط  النسيج الاجتماعي الليبي وتهدم انسجامه مهددة إياه بحروب  قبائل ومدن وأعراق وأوهام لا يجد البعض حرجا في السعي إليها ودق طبولها في غمرة نشوة تذهب بصوابهم فيخيل إليهم أن قول وفعل كل شيئ جائز ولا ضير منه طالما غاب الأخ الأكبر وانتهى الخوف القديم.

د. محمد الطاهر الحفيان

هناك تعليق واحد:

  1. اوفقك الراى تماما ولكن حسب ما علمت فهو قد نفى ما اوردته بعض الوسائل الاعلامية عن لسانه نفيا قاطعا !!

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...