قيم العدالة في دول الغرب المتمدن لا يزال نورها الساطع منذ قرون يغشى أعيننا المحدقة في اندهاش .. اندهاش يمكن وصفه بنزاهة بأنه مغلف بالحسد.. خاصة أن البعض منا يؤمن بأن قيم العدالة في أسمى تجلياتها ليست غريبة عن ثقافتنا و تاريخنا رغم افتقاد حاضرنا البائس لأدنى مستوياتها بمختلف أبعادها..
المهم أن عدالة الغرب بشقيها الأمريكي والأوروبي لا تزال متألقة وفي كل يوم تبدع الجديد وتوسع الحقوق والحريات الإنسانية بل وحتى الحيوانية.. والأهم أن هذه العدالة تنتشر وتحاول أن تجعل قيمها وموازينها في متناول كل البشر..
الأمريكيون هم الأكثر نشاطا في هذا المجال على المستوى العالمي، والأوربيون يحاولون اللحاق بهم من خلال عدة مؤسسات خاصة بات نشاطها يبرز بوضوح في السنوات الأخيرة.
العدالة الغربية لها مستويات عدة .. وهي حققت انجازات باهرة في مجال سن القوانين وتطبيقها عبر قضاء مستقل ونزيه.. إلا أن هذا ليس كل شيئ!
أحد وجوه العدالة الغربية وهي كثيرة.. شد انتباهي بتقاسيمه المميزة.. والقصة تبدأ بالفصل الأخير لقضية جنائية دولية إذ سلمت السلطات التايلاندية رجل أعمال روسي إلى الولايات المتحدة ليمثل أمام محاكمها بتهمة المتاجرة غير الشرعية بالأسلحة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا ودعم منظمات إرهابية في كولومبيا. تم كل ذلك بناء على طلب النائب العام في المحكمة الفيدرالية في نيويورك الذي وجه اتهامات بهذا الشأن لرجل الأعمال الروسي فيكتور بوت.. وهكذا مثل فيكتور بوت أمام القضاء الأمريكي رغم أن المحكمة الجنائية في بانكوك رفضت لمرتين القرائن الأمريكية ضده واصفة إياها بغير المقنعة. كما أن موسكو اعترضت على تسليم مواطنها ليحاكم في دولة ثالثة لا علاقة مباشرة لها بالتهم الموجهة إليه، ووصفت العملية بأنها نموذج صارخ للظلم..
هذه الواقعة كان يمكن هضمها وفهمها بشكل ما، إلا أن ما حدث بعدها بأيام أبرز فجاجتها وقبحها، إذ ظهر ميزان العدالة الغربية بكفتين يتم التحكم بهما بحسب آلية يصعب فهمها. في هذه المرة تدخلت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان فى ستراسبوغ وحظرت على روسيا الاتحادية تسليم مواطن أجنبي محتجز لدينا إلى كولومبيا بناء على أمر اعتقال من الشرطة الدولية الانتربول .. هذا المواطن الأجنبي الذي كان يحمل رتبة عقيد في سلاح المظلات في بلاده أدين في كولومبيا غيابيا بتهمة تدريب قوات خاصة لتجار المخدرات وتأهيل قتلة محترفين تابعين لهم وحكم بالسجن 14 عاما..

قد يتحمس البعض لهذا الفيض من المشاعر الإنسانية لهذه المحكمة ويرى فيه شكلا من أشكال الرفق والعناية التي يجب أن لا تخلو منها عدالة مهما عظم الجرم.. إلا أن معرفة المعني بهذه القضية تنسف كل الحجج والأسانيد من هذا القبيل.. ذلك أن المدان في هذه القضية هو العقيد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي يائير كلين.. وهذا يفسر الكثير..
محمد الطاهر الحفيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق