2010/09/18

بعد سقوط بغداد.. نُهب التاريخ



عقب تبجح وسائل الإعلام الإسرائيلية بنجاح عملية لتهريب نسخة نادرة للتوراة من العراق إلى إسرائيل، لم يجد مسؤولو هذا البلد الذي صادر الإحتلال الأمريكي حاضره ومستقبله وسيلة أخرى لتبرير العجز عن حماية كنوز الماضي العراقي التليد، إلا التقليل من قيمة المخطوطة المنهوبة التاريخية .
 والأدهى في عملية السطو هذه أنها تمت بمشاركة أياد عراقية إذ أكدت المصادر الإسرائيلية أن نسخة التوراة تم تهريبها بعد دفع رُشى لمسؤولين عراقيين.
وفيما أظهر بعض المسؤولين العراقيين دهشتهم واستغرابهم من عملية السطو .. علت عقيرة الحكومة العراقية ملوحة بعلاقاتها الدولية الواسعة وبمواد القانون الدولي مبشرة بأنها بهذين السلاحين الفتاكين ستستعيد تاريخ العراق المنهوب.
لو كانت القصة بهذا الحجم فقط لهان الأمر إلا أن ما خفيّ كان أعظم!! هاكم بعضا منه..
نسخة التوراة هذه الموشاة بالفضة الخالصة والمرصعة بالخرز والتي تعود إلى القرن الثامن عشر، ليست الوحيدة.. وللأسف لن تكون الأخيرة وفقا للواقع العراقي المرير والمظلم .

الإسرائيليون بحسب صدى صحافتهم وإعلامهم في المصادر الروسية كشفوا أنهم تمكنوا في الفترة الأخيرة مما دعوه استعادة 300 كتاب تاريخي نادر .. هذه الذخائر الإنسانية تم شراؤها من لصوص عراقيين لم يتم الكشف بالطبع عن مناصبهم الرفيعة.
هذه الكتب يدعي الإسرائيليون أن بوليس نظام صدام حسين السري كان صادرها من اليهود العراقيين، كما لو أن صدام حسين حكم العراق الدهر كله. ويضيف الإسرائيليون أن ما تم تهريبه من العراق ما هو إلا جزء صغير من أعداد ضخمة من الكتب العبرية التي يسعون ليل نهار لاستردادها من موطنها عبر سرقتها..
أبناء عمومتنا هؤلاء يعترفون بأفضال  ومنن غزو العراق واحتلاله على  ما حققوه من انتصارات في مجال سرقة التاريخ العراقي بمختلف حضاراته بما في ذلك الانجازات الفكرية اليهودية.. إلا أنهم ايضا يشتكون من أن القصف الوحشي الأمريكي للمؤسسات الرسمية العراقية في بغداد تسبب في إحراق عدد كبير من الكتب التراثية التي كانت مرشحة للنهب. أما أمهات الكتب التي لم تطلها نيران القصف، فالمصادر الإسرائيلية تقول إنها قسمت إلى جزئين الأكبر حمله الأمريكيون إلى ديارهم للحفظ المؤقت في مكتبة الكونغرس، وما تبقى نهبه لصوص بغداد.
وهؤلاء باعوا تاريخ العراق المجيد بثمن بخس.. إذ لم تكلف صفقة الثلاثمئة كتاب أثري الإسرائيليين سوى ما يقارب 25000 دولار.

تفاصيل هذه الصفقة التاريخية تعطي مؤشرا عن وسائل النهب الإسرائيلي للتراث الإنساني في العراق إذ لم يقم بها مهربون عاديون، بل أشرف عليها مركز التراث البابلي اليهودي في القدس في شخص مؤسسه موردخاي بن بورات.. بن بورات هذا قال إنه بعد إحتلال العراق أرسل عميلا إلى بغداد اشترى الكتب الثلاثمئة النادرة وأرسلها إلى إسرائيل. مهمة هذا العميل كان يمكن أن تستمر وقتا أطول نظرا لإمتلاء متاحف ومكتبات العراق بمئات الآلاف من الكتب والوثائق التاريخية النادرة، إلا أن الأمريكيين، كما يقول رئيس المركز اليهودي، ضاقوا ذرعا بعميله، وربما شعروا بانكشافه، فمنعوه من ممارسة نشاطه ما اضطره إلى مغادرة البلاد.
الأمريكيون تصرفوا في هذه الواقعة بشكل طبيعي وتقليدي كأي محتل غاصب .. وهم لم يحاسبوا هذا العميل على ما نهبه رغم قداسة القانون لديهم، بل كانوا مضطرين إلى كبح نشاطه تحاشيا للفضيحة. وهم محقون في نظري في تسامحهم مع عمليات نهب التاريخ العراقي إذ أن سرقة الكتب الفريدة في قيمتها، لا تمثل شيئا أمام سرقة مقدرات بلد بعد تدميره بوحشية القرون الوسطى الأوروبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...