2010/08/19

حــــــرب "رالف بيتيرس" الدائــــــــــــــمة

يُعتبر المُنظر العسكري الأمريكي/ رالف بيتيرس/ أحد أهم الاستراتيجيين، المتخصصين في وضع الخطط العسكرية المستقبلية للإدارة الأمريكية .
يتميز هذا الباحث المتخصص، بنظرته الشمولية لأسس التفوق العسكري الأمريكي في القرن الواحد والعشرين، فهو يركز على أهمية الوعاء الثقافي الأمريكي المُعبر عن الهوية الخاصة المُنتجة للبنى المختلفة، ويعتبره سر القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية وحصانتها ضد التقليد أو المنافسة.
يُعبر/ رالف بيتيرس/ عن أفكاره بصراحة منقطعة النظير دون تورية أو تشذيب، الأمر الذي دفع كاتبا ً روسيا ً إلى وصفه " بالشخصية الشريرة". هذا الوصف يعكس خطورة الطرح الشوفيني لهذا المتخصص العسكري الأمريكي، الذي يبني نظرياته وفق الطبيعة الخاصة للمجتمع الأمريكي، الذي لا ينتمي إلى "ثقافة عميقة وثابتة"، وإنما تتميز ثقافته بالتبدل والتغير الدائم، ليس فقط في وسائلها، بل وفي أهدافها وقيمها. بيتيرس يرى أن الثقافة الأمريكية تعبر عن طبيعة الحياة ذاتها، وبالتالي فان التبدل والتغير، ليستا نقيصتين للمجتمع الأمريكي الخليط والمستحدث، بل هما المحرك الذي يدفع به إلى الأمام من خلال آلية يسميها الكاتب" خصوصية الاحتواء لا الحذف"
قراءة أفكار رالف بيتيرس، بعيدا ً عن الانفعالات، تساعد على فهم السياسات الأمريكية الراهنة والمستقبلية، وتقدم صورة حقيقية لخفايا عقلية الإدارة الأمريكية، وللخطط الاستراتيجية التي تغذيها، وبالأخص بعد أحداث 11 سبتمبر، وما تلى ذلك من تعاظم دور استخدام القوات العسكرية المسلحة، لفرض السياسات الأمريكية على الساحة الدولية.



الحــــــرب الدائــــــــــــــمة
رالف بيتيرس*
ترجمة : د. محمد الطاهر





لقد انخرطنا في قرن النزاع الدائم. المعلومات سلعة، وفي الوقت نفسه، العامل الأكثر إثارة للقلاقل. كان التاريخ، حتى الوقت الحالي، بحثا ً واكتسابا ً للمعلومات، اليوم المهمة الأساسية تنحصر في توجيه هذه المعلومات. والذي يمكنه أن يُصنف، ويستوعب، ويُركب ويستخدم المعلومات المستجدة، يصل إلى القمة المهنية في المجالات المالية، والسياسية، والعسكرية، والاجتماعية، فنحن المنتصرون، أقلية.
الحياة"كريهة وقاسية… ومؤذية" بالنسبة للجماهير العريضة المجتاحة في العالم بالمعلومات التي لا تستطيع توجيهها أو تأويلها بشكل مؤثر. الخطوة الواسعة للتغيير تضغط، والمعلومات هي مُحرك وعلامة هذا التغيير. أولئك الناس، في أية دولة أو إقليم، الذين لا يستطيعون فهم العالم الجديد، أو استخلاص ربح وفائدة من غموضه وعدم تحديده، ولا يستطيعون التصالح مع حركته، سيصبحون أعداء عنيفين لحكوماتهم الغير مختصة، ولجيرانهم الأكثر نجاحا ً، وفي نهاية المطاف، سيصبحون أعداء للولايات المتحدة الأمريكية. نحن ندخل في القرن الأمريكي الجديد، الذي سنكون فيه، كما الآن، أكثر غنى، بسيطرة ثقافية لا هوادة فيها، و سنكون أيضا ً أكثر جبروتا. نحن سنثير كراهية غير مسبوقة في العالم.
نعيش الآن في قرن الحقيقة المتعددة، وذاك الذي يُحذر من " صدام الحضارات"، بلا شك مُحق. بالإضافة إلى ذلك نرى مستوى اتصال بناء، عال جدا ً غير ملموس سابقا ً بين الحضارات. المستقبل باهر ـ وهو، في نفس الوقت، متجهم جدا ً، كما لم يكن في السابق. نساء ورجال كثيرون سيستمتعون بالصحة والرخاء، وفي نفس الوقت عدد أكبر سيعيش في فقر واضطراب، على الأقل نظرا ً لقسوة العامل الديمومغرافي. ستكون هناك ديموقراطيات أكثر: هي شكل ليبرالي لبق للإمبريالية، وستتصاعد كراهية الجماهير للديموقراطية. سيصبح النزاع بين رب المعلومات وبين ضحاياها، أحد محددي تناقض المستقبل.
في الماضي، كان امتلاك المعلومات في الأساس مشكلة الأصحاب والأغراب، بهذه البساطة كتقسيم المجتمع إلى متعلمين وغير متعلمين. مع أن التفوق في المعلومات غالبا ً ما تجسّد في التقنية العسكرية، التي امتلكت طاقة قاتلة على مدى التاريخ، فان تأثيرها كان حاسما ً سياسيا ً، لكن ليس اختراقا ً شخصيا ً( إذا ما استثنينا السرقة والاغتصاب). التقنية استخدمت غالبا ً من أجل تدمير بوابات المدينة، وليس من أجل تغيير طقسها. ولادة الغرب المعاصر حطمت هذا التخطيط المبسط. الحرمان من الممتلكات وانتقال الأوضاع دعت له في أوروبا وما وراء حدودها، ميكنة الإنتاج، و العهد العظيم للإمبريالية الأوروبية، أدى إلى انفجار المعلومات الذي تسربت عميقا في " هيكلية كل نواحي الحياة". الجهل التاريخي كان سعيدا ً. اليوم الجهل أكثر استحالة ـ الممكن فقط الخطأ.
التوسع المعاصر متاحة فيه المعلومات للغاية، وهي غير محدودة ومدمرة للناس البعيدين، ولثقافات بكاملها، غير قادرة على توجيهها. الأصولية المتطرفة، متمثلة في حاملي القنابل في القدس وفي أوكلاهوما، إرهابيون أخلاقيون من اليمين، ودكتاتوريون متعددو الثقافات من اليسارـ كلهم إخوة وأخوات، مرعوبون من التغير، يشعرون بالفزع أمام المستقبل، غرباء عن المعلومات، التي لا يستطيعون استخدامها مع خصوصية حياتهم وكبريائهم. هم ظمآنون إلى الرجوع إلى القرن الذهبي الذي لم يُوجد مطلقا ً، أو إقامة جنة بمشروعهم الخاص المحدود. هم لا يفهمون هذا العالم أكثر من ذلك، وفزعهم مُتقلب ويُثار بسهولة.
المعلومات تُدمر أماكن العمل التقليدية والثقافة، هي تُغري، تخون، وتبقى مع ذلك منيعة. كيف يمكنكم أن تواجهوا المعلومات، التي يشحنكم بها الآخرون؟ لا توجد إمكانية أخرى غير النشاط المنافس. تلك الفردية والثقافية التي لا تنضم أو لا تستطيع التنافس مع إمبراطوريتنا المعلوماتية، ينتظرها السقوط والفشل ( تلاحظون أن الانترنيت لتقنية وتجهيز الغاضبين، هي نفسها كما منظمة الأمم المتحدة للدول ضعيفة النمو: تعطي أوهام الائتمان والجماعية). محاولة الملالي الإيرانيين الانشقاق عن المعاصرة انتهت بالفشل، على الرغم من أن الجثة في العمامة ما تزال تتعثر في الضواحي. المعلومات من الانترنيت ومن يد أشرطة الفيديو لن يُحد منها، والأصولية لن تستطيع التحكم في أطفالها ـ الذين هم ضحايانا عن طواعية.
الثقافات العاجزة عن المنافسة، تلك مثل الإسلام العربي ـ الفارسي، و التي ترفض قطاع من سكاننا، يطفح بها الغيظ. ثقافتهم تُهاجم، قيمهم الغالية على القلب تبدو مختلة الوظيفة، والاستغناء عنها ناجح بامتياز. عامل مستغنى عنه، ذو ياقة زرقاء في أمريكا، ومقاتل من مقاتلي طالبان في أفغانستان: هم إخوة في العذاب!
كما هو معلوم الفجوة في الدخل بين الأعلى والأدنى خلال كل القرن العشرين تقريبا ً، قد ضاقت ـ هذا يختص ببلدان منفردة، وفي بعض الأحيان قارات. دولة أو إنسان يمكنه النجاح ببساطة على حساب الإرادة وجهد العضلات. انتم يمكنكم العمل بأكثر مثابرة من الآخرين والنجاح في السوق. في هذا كمنت حقيقة بسيطة، وهذا هو الذي أعطى الأمل الكوني، تقريبا ًهذا النموذج مات. اليوم، في قرن جهد الآلات المدخرة والتقنية، توجد وفرة لقوة العضلات. في بلادنا رأينا نقابات عمال الصناعة، قد انحدروا من موقع أساس في حياة المجتمع، إلى موقع أدنى تماما ً. هذه نزعة لا رجعة عنها. وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوقعات بشكل درامي، وظهر إحساس عميق بالكذب وبالوعود غير القابلة للتنفيذ. شعر، السّواد الأعظم من سكان الكوكب، بأنه لزمن طويل لعب بقواعد وُضعت له( جوهريا ً، لم يكن الأمر دائما بهذا الشكل)، من أجل العثور على شيئ ما فقط ، أو أحد ما غير مرئي، بدّل القواعد في ساعة واحدة. الأمريكي الذي أنهى المدرسة في الستينات من القرن الماضي، توقع الحصول على عمل جيد، يؤمّن له ولأسرته الأمان والرفاهية الدائمة الزيادة. العالم تفسّخ، لكثير من هؤلاء الأمريكيين، على الرغم من أن الصحافة والإنتاج الفني استمرا يحشوهما بنموذج العالم الرائع والغني، الذي استثنوا منه. هؤلاء الأناس الشجعان شعروا بأن حكومتهم لم تعد معهم بعد، هي فقط مع أصحاب الإمتيازات. البعض يبحث عن العزاء في الدين. الأغلبية يبقون مواطنين دؤوبين مُطيعين للقانون. البعض على العكس.
توأم أجنبي أولئك الأمريكيون ـ المسلمون أو الأفارقة من الصحاري السفلية أو خريجي الجامعة في المكسيك، يصطدمون بحكومة هشة، بطالة وفساد يدمران المجتمع، يسببان الزواج في الفقر المدقع، أو استحالة الزواج، وبعد ذلك تأتي المعلومات، التي تقص عليهم ( مبالغة وغير نزيهة) كيف يعيش الغرب في بحبوحة. في عصر المسلسلات الطويلة، والفيديو والصحون اللاقطة، هذا الشاب والرجل الضاري يحصل على تصور مُشوه عنا، من تكرار لانهائي للمسلسلات الأمريكية، أو يلتقط من خلال الصحون، موادا ً تثير ضحكنا، لأننا نعتبرها غير رصينة وغير جديرة بالاهتمام، لكن تأثيرها المدمر لا يمكن وصفه بكلمات. هوليود تصل إلى كل مكان، والأجنبي غير قادر على الإحساس بالواقع الأمريكي، ويقع تحت تأثير خيالات أمريكية غير مسؤولة. هو يرى عالما ً آسرا ً شيطانيا ً، جميلا ً، منفتحا ً جنسيا ً، مُستثنى منه ـ عالم الثروة الذي بإمكانه الحكم عليه فقط من خلال مفاهيم فقره الخاص.
أغلبية مواطني الكوكب ليسوا متخصصين اقتصاديا. هم لا يستوعبون الثروة بمرونة، كلعبة بمبلغ صفري. إذا كانت صورة أمريكا ( كما تُصور على الشاشة) خيالية الثروة جدا ً، فان ذلك لأنها سرقت ما تملكه مجموعة ما، في دولة أو منطقة. بالإضافة إلى التنافر السلبي، الأجنبي المنبوذ لا يستطيع الجمع بين الفساد الأخلاقي الأمريكي، والسخرية من كل شيئ تعلّم تقديره عاليا ً، وبين القوة الأمريكية التأذيبية التي لا تلين. كيف يمكن لأمة، النساء فيها هن " عاهرات تماما ً" إثارة " عاصفة في الصحراء"؟ هذه إهانة للرب، وإجابة يمكن أن تكون فقط شيطانية، تتحدث عن مؤامرات وضغوطات، متورطة فيها صفوة من بلده دنيوية ويائسة. الأجنبي المنبوذ يمكن أن يرغب في مهاجمة " الشيطان الأمريكي الأكبر"، لكن أمريكا بعيدة جدا ً ( حتى الآن)، وهو يستخدم العنف في منطقته، ولا يتحمل مسؤولية شخصية عن الفشل، دون التفكير في إمكانية أن تكون ثقافته " لا تعمل". الذنب دائما ً في مكان ما في الخارج، فتقديس الضحايا، يصبح ظاهرة عالمية، وهو يُعتبر مصدرا ً لحركة الكراهية.
في أوساط الصفوة الفكرية العالمية، شتم " الثقافة الأمريكية" موضة، زد على ذلك، بالخصوص، أن صفوتنا الفكرية المحلية تجتهد أيضا ً في ذلك. لكن الصفوة الفكرية التقليدية تفقد مكانتها، تأتي لتحل بدلا ً عنها صفوة عملية جديدة، يمثلها أولئك مثل بيل غيتس، ستيفن سبيلبيرغ، مادونا، أو ساستنا الأكثر نجاحا ً ـ الأناس الذين يمكنهم التخمين أو تكوين الرغبات الشعبية، يعدلون من أنفسهم عند الضرورة. الثقافة الأمريكية المعاصرة ـ هي الأكثر قوة في التاريخ، وهي الأكثر تدميرا ً من الثقافات المنافسة. بعض الثقافات، تلك مثل الشرقية ـ الآسيوية، مؤهلة لتحمّل الهجوم بمساعدة سلوك يتكيّف، بينما معظم الثقافات الأخرى غير مؤهلة لذلك. جوهر عبقرية، السلاح السري للثقافة الأمريكية، يتألف بالأخص مما تحتقرها عليه الصفوة: شعبيتها الأصيلة. هي تُبرز راحة ورفاهية البساطة، وتُعمّم السعادة للجميع. نحن نمثّل أحلام كارل ماركس وكوابيسه.
ثوار قرننا الماضي الدنيويون والدينيون اقترفوا خطاء واحدا ً، متخيلين أن عمال كل العالم أو المؤمنين ببساطة، ينتظرون على أحر من الجمر المساء، كي يذهبوا إلى البيت ليدرسوا ماركس، أو القرآن. في الواقع، الجميع يُفضلون مشاهدة مسلسل أمريكي.
أمريكا فهمت ذلك واستطاعت بامتياز تطبيق معرفتها. سطوة ثقافتنا تُنزل خسائر بتلك الثقافات، التي لا تستطيع نسفها! لا يوجد " منافس لائق" في المجال الثقافي ( أو العسكري). ثقافتنا إمبراطورية تُغري أكثر فأكثر الرجال والنساء في كل مكان. وهم يدفعون مقابل المزايا، خسارة الأوهام.
تتعرض الثقافة الأمريكية للنقد بسبب عدم ثباتها، بسبب استعمال منتجاتها " مرة واحدة فقط". لكن، في ذلك يكمن سر قوتها. كل الثقافات السابقة حاولت البحث عن مثل أعلى، بالوصول إليه، كان يمكن المكوث في حالة الكمال الإحصائي. الثقافة الأمريكية هي ثقافة وسائل، وليس أهداف، هي السؤال الحركي، الذي يُنشئ، ويُدمر ثم يُنشئ من جديد. إذا ما كانت أعمالنا غير ثابتة، فان مواهب الحياة العظيمة هي كذلك: الولع، الحسن، شفافية الضوء في منتصف نهار شتوي، نعم، الحياة نفسها كذلك غير ثابتة، ولذلك فالثقافة الأمريكية حيّة.
الازدهار والحيوية تجد انعكاسا في قواتنا المسلحة، نحن لا نبحث عن حلول تحذيرية ـ نبحث فقط عن تحسًّن دائم. كل الثقافات السالفة في العموم وفي المخطط العسكري، تسعى للوصول إلى شكل حياتي نموذجي وإنجازه. الأمريكيون، بشكل وبدون شكل، دائما ً فضّلوا التبديل ( أفراد قلائل يعارضونهم، واتجاههم المحافظ كان كابحا ً صحيا ً للتطرّف والإفراط القومي). الثقافة الأمريكية هي ثقافة الجسورين.
ثقافتنا أيضا ً تُعتبر الأولى، التي تعمل على الإدماج وليس على الحذف. الأفلام السينمائية، الأكثر احتقارا ً من قبل الصفوة الفكرية، والتي تعرض أقصى مشاهد العنف، والجنس الفاضح، هي سلاحنا الثقافي العلني، المشترى منها أو المستنسخ بأسلوب القرصنة الفكرية، يوجد في كل مكان. أفلام العنف الأمريكية، في نسخ رديئة للغاية في أغلب الأحيان، في متناول الجميع، من مناطق الأمازون العليا إلى ماندالايا. هي أكثر شهرة حتى من موسيقانا، لسهولة فهمها. الأفلام البوليسية مع ستالوني، شفارتسينيغير وتشاك نوريس المبنية على المُشاهدة البصرية، لا تتطلّب حوارا ً لفهم المحور الأساسي. هم يعملون على مستوى الأساطير العالمية، الموجهة لأكثر البواعث أصالة ( مع ذلك، نحن ما زلنا لم ننتج فيلما ً عنيفا ً وبلا رحمة مثل" إليادة"). هم يُصورون الأبطال، أشرارا ً، والنساء اللاتي ينتصرن أو يخسرن، وأيضا ً العنف والجنس. اشتكوا كما شئتم حتى آخر الدهر، إنها تُباع. يتصاعد الإقبال في الخارج على مسلسل" رامبو" التافه الذي يتحدث عن الطبيعة البشرية، أكثر بكثير من مكتبة أدب فلسفي كاملة.
عندما نتحدث عن ثورة معلوماتية عالمية، فتأثير نماذج الفيديو تُعتبر أكثر سرعة وشدة من تأثير الكمبيوتر. هيئة النص المطبوع في الوعي الجماعي للعالم ستختفي. في الوقت الذي سيصبح فيه الكمبيوتر منتجا ًنصيا ً، يتطلّب خبرة مميزة: كمبيوترات تُعين حدودا ً لمناطق الإمتيازات. نحن نستخدم التقنية من أجل توسيع غنانا، سلطتنا، وقدراتنا. مصير الآخرين سيكون في الثقافة الواسعة الانتشار. إذا كان الدين أفيون الشعب، فالفيديو له كوكايين.عندما نتصارع نحن وهم ـ يصدموننا بقسوتهم، لكننا نحن نغلبهم إحصائيا ً.
كلما ستكون أكثر الكائنات البشرية كئيبة بفعل المعلومات، أو مفلسة بسبب تقنية المعلومات، كلما كان احتجاج السكان أسرع. ضحايا المعلومات، في الغالب، سوف لن يروا مخرجا ً أخر. العمل سوف يصبح أكثر فأكثر عقليا ً، وأولئك الذين لن يستطيعوا العثور على مكان، سيتصرفون بعقلية سلبية. نرى دولا ً وقارات، مقسمة إلى فقراء وأغنياء بنزعة مختلفة عمّا كانت عليه في القرن العشرين. الدول النامية لن تستطيع العيش على حساب التصنيع، طالما ستوجد دائما ً دولة تعرض عملا ً أرخص. الذين لا يملكون سوف يكرهون وسيحاولون مهاجمة الذين يملكون. ونحن في الولايات المتحدة الأمريكية، سيستمرون بالنظر إلينا على أننا نملك بدون حدود. ستتصارع الدول من اجل التفوق أو الثأر، في نفس الوقت سوف تغلي مجتمعاتها. ستكون أكثر أشكال العنف انتشارا ً، من نوع إجرام الإرهاب التقليدي، لكن الإجرام الدولي، وعدم الوفاق المدني، والحركات الانفصالية والنزاعات الحدودية وحروب المعاهدات سوف تستمر في تمزيق العالم. الولايات المتحدة الأمريكية ستكون مضطرة للتدخل في بعض هذه المواجهات من أجل حماية مصالحها ومواطنيها وحلفائها أو زبائنها. نحن سوف نغلب في كل مرة عندما سنكون شجعانا ً.
لن يكون هناك سلام، في أية لحظة من حياتنا المستقبلية. سوف تحدث نزاعات في كل مكان، متعددة وفي أشكال وهيئات متغيرة. النزاعات باستعمال القوة ستتصدر النشرات الإخبارية، لكن النضال الثقافي والاقتصادي سيكونان أكثر قسوة، بمعنى واحد، أكثر حسما ً. الدور العملي للاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأمريكية سينحصر في مساندة عالم مُستقر لاقتصادنا ومفتوح لزحف ثقافتنا. لأجل هذه الأهداف سوف نقتل بالقدر الضروري.
كي نقوم بهذا القتل الضروري، نُعد قوات مسلحة على أساس معلوماتي، كما في السابق تتطلب قوة العضلات، لكن أساس فننا العسكري سينحصر في العمل على معرفة العدو أكثر مما يعرف هو عن نفسه، والتحكم به كما باليد، بفاعلية وبأهلية، وبمحاولة عدم إعطاء الخصم الفرصة لاستخدام نفس الأفضلية. هذا يتطلب تقنية، لكن الأنظمة المناسبة لن تكون مصاص دماء للميزانية، كقاذفات القنابل والغواصات الاستراتيجية، التي نستمر في الحصول عليها بفضل قوة الاستمرار، أو ما يشبه الارتباط العاطفي، وبقوة الصناعات الدفاعية. تقنيتنا، الأكثر أهمية، سوف تساند الجنود ومشاة البحرية على الأرض، سابغة التفاؤل على قرارات القادة، معطية لنا إمكانية القتل بدقة، والحفاظ على حياتنا وسط الفوضى(مثلا ً في ظروف قتال المدن الصعبة). الاستخدام الوحيد المقترح لغواصاتنا ـ هو نزع السلاح عنها، ووضعها في حوض جاف وتحويلها إلى مساكن للفقراء. لملايين مصاصي الدماء لن تكون هناك بتاتا ً أية مبررات.
لن يكون لنا منافس جدير بنا، في أثناء حياة جيل، ومن الممكن أكثر من ذلك في المستقبل، في المجال العسكري. أعداؤنا سيهددوننا بطرق أخرى، والنشاطات العنيفة ستصدر من عدد قليل من الجماعات المعادية، المؤهلة، لتوجيه ضربات غير منتظرة وموجعة، أو تُعبئ الإرادة بالعنف(أو بأي وجه أخر).
الصفوة الخائنة، وليس الأساطيل الأجنبية، يجب أن تُقلقنا ! تضخم المدن وتكدس سطح الأرض بالسكان تمثل تهديدا ً كبيرا ً لعملياتنا أكثر من أية منظومة عسكرية موجودة أو محتملة. سيكون لنا شأن مع عسكرية غير تقليدية كنموذج السياسة الواقعية (Real politic)، ومع نزاعات متولدة من الانفعالات الجماعية، ومنظومات المصالح الإقليمية المتفسخة، الكراهية والحسد والبخل: الانفعالات أكثر من الاستراتيجية سوف تُملي شروط الاشتباك.
نحن سنبقى أحياء وسننتصر في أي حرب، لن تُستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل. لكن النزاعات الدائمة التي سنتدخل فيها من وقت إلى آخر ستكون هينة، كأي شكل آخر من أشكال النشاط العسكري التي ينجر إليها جنودنا ومشاة بحريتنا. الحربة ستبقى كما في السابق، مهمة وأساسية، وفي الوقت نفسه، تفوقنا المعلوماتي يجب أن يكون أحدّ من الحربة، ويسمح لنا بالانتصار على كثيرين من الأعداء ـ لكن ليس على جميع الأعداء الذين يتواجدون خارج حدود نشاط الحربة. تفوقنا المعلوماتي على الدول الأخرى سيكون عظيما ً بالقدر الذي ستكون فيه المهمة الأساسية لجم سطوته. ضعف إمكانياتنا القومية، يمكن أن يصبح عدم القدرة على تدعيم المستوى المعنوي والفيزيائي للقوة الضروري من أجل غرس هذه الحربة في قلب العدو. الطيارون والربابنة والموظفون يطلبون من وزارة الدفاع تصنيف نماذج التهديدات، التي ترسم في صيغة س ـ ص، الدول التي ستتفوق على الإمكانيات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية خلال 10 ـ 20 سنة. انسوا هذا الأمر، لدينا قدرة عسكرية على أساس ثقافي، والأعداء لا يستطيعون المنافسة معنا، إذا لم يصبحوا نحن. المنافسون الحكماء سوف لن يحاولوا حتى الانتصار علينا بوسائلنا، بالإضافة إلى ذلك، هم سوف يسعون إلى تفادي المواجهة في النزاعات العسكرية، والانتقال إلى الإرهاب وإلى الأشكال غير التقليدية للهجوم على وحدتنا القومية. الحمقى فقط سيقاتلون معتمدين على قواعد.
نماذج مفصّلة من عظام ميتة، لها هدف إقناع الكونجرس، بأن الروس أخذوا فقط استراحة لنفس جديد، أو أن الصينيين يوجدون على بعد بضعة أميال من شواطئ كاليفورنيا، تفترض أن الدول الأخرى، ما تزال تطبق حلولا ً صحيحة، وتحلل بنجاح مختلف الاتجاهات، وتستمر في مضاعفة سرعة النمو الاقتصادي. يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية تغرق في النعاس، على العكس، الولايات المتحدة الأمريكية تتيقظ وتوجه الثورة " الصناعية" الثانية، التي سوف تبدو بالمقارنة مع ذروة الثورة الصناعية الأولى، كبروفة هواة. الولايات المتحدة الأمريكية فقط تمتلك قدرة التركيب، وقاعدة تشريعية وثقافية مرنة، تسمح لها بالبقاء على الحاشية المناسبة لتوزيع الثروة العالمية.
منذ مدة قريبة اعتزم الروس التغلب علينا، بعد ذلك كانت محاولة العرب أغنياء النفط، بعد ذلك اليابانيون. اقتصادي، متحصل على جائزة نوبل، اعتقد أنه حتى أوروبا العجوز سوف تسود في القرن القادم( الملل مضمون إذا ما كان هذا صحيحا ً). الآن جاء دور الصينيين. سيعثر أنبياء الاقتصاد قريبا ً بدون شك، على سبب ليتخوفوا من جزر كالاباغوسا. في هذا الوقت، يمكن توقع مضاعفة عمر الإنسان، المؤمّنة شيخوخته والمتاح له الوصول إلى الثقافة الأكثر انتصارا ً في التاريخ. للأغلبية من مواطنينا ثقافتنا المبتذلة، المختلة تقريبا ًوالبديعة، هي المحرك الأساسي للتغيير التاريخي الايجابي.

الحرية تعمل:

في المجال العسكري سيكون مستحيلا تجاوزنا، أو حتى الاقتراب من إمكانيات القوة على الأساس المعلوماتي لدينا، لأنها من ناحية الجوهر منتج ثقافتنا. تجهيزاتنا المعلوماتية للجيش، سوف تستخدم وسائل متعددة كثيرة رائعة، لكن أساس قوتها سيكون الجنود، وليس الآلات، وجنودنا سوف يمتلكون خبرات، الثقافات الأخرى غير مؤهلة لإعطائها. المحللون الاستخباراتيون، يميلون إلى تقييم قوة الخصم بتلك الوسائط التي هو قادر على الحصول عليها، تفاديا ً لتعقيد الإنسان. لكن الحصول على المواد أو إنتاجها غير كاف، لم يجد هذا نفعا ً مع صدام حسين ولا بكين.
النظام المعقد للعلاقة المتبادلة بين الإنسان والآلة، الذي أُعد في القوات المسلحة الأمريكية، من المستحيل استنساخه في الخارج، لأنه لا تستطيع أية دولة إعادة إنتاج التأهيل المعلوماتي لجنودنا وضباطنا على أراضيها. بغض النظر عن كل الشكاوي ـ التي في الغالب مبررة ـ ضد النظام التعليمي، في مجمله وفاعليته في مجتمعنا وثقافتنا، فهو يعطي جنود المستقبل ومشاة البحرية فهما ً طبيعيا للتقنية، وهذه المقدرة تتنوع وتهضم عددا ً ضخما ً من المعلومات المتنوعة، التي يستحيل أن يصل إليها شعب آخر. القدرات المعلوماتية لطفلنا العادي من الطبقة الوسطى تصيب أي إنسان ولد قبل عام 1970 م بالذعر. أطفالنا، أطفال الكمبيوتر، يشتغلون على مستوى غير متاح حتى لصفوة الأجانب، ويرجع الفضل في ذلك بدرجة متساوية، إلى المدرسة، والى الدعاية المرئية، والكومبيوتر، وألعاب الفيديو. نحن تجاوزنا نظام تعليمنا في القرن التاسع عشر، كما تجاوزنا القاذفات المحلقة. في نفس الوقت، أطفالنا يمرون بانتقاء داروين الطبيعي، متجرعين تلك المعلومات التي تخيف عددا ً كبيرا ً من البالغين. هؤلاء الأطفال سيصبحون تقنيين عسكريين، وعلينا فقط أن نتأكد من أنهم يقومون بالتمرينات البدنية.
يوجد تعبير ألماني، يمكن ترجمته إلى أن " السماء في كل وقت تصبح أدنى" . على الرغم من رعبنا اللطيف، وشكاوينا، نحن نعيش في الثقافة الأكثر جبروتا وصلابة على وجه الأرض، وتبدلاتها وتناقضاتها تعتبر سر قوتها. نحن غير قادرين على تنفيذ خطة خماسية، وهذه هي البركة التي تحرسنا، فحركتنا المتغيرة في متطلباتها، وفي التقنية وفي أرض المعركة ـ هي القوة، التي من المستحيل أن يقترب منها منافسونا، لأننا نتحرك بسرعة كبيرة جدا ً.
اليوم لا يوجد " خطر كبير" يُهددنا… لا يُرى حتى في الأفق. بالإضافة إلى ذلك كي نستعد للمعركة من أجل ميدوزا، علينا التركيز على النزاعات الدائمة، مختلفة الأشكال التي سوف تترقبنا ـ وتقتلنا ـ في وطننا وفي الخارج. توجد أعداد كبيرة من الأخطار، لكن الدينصورات الحبيبة ماتت.
في ظروف الحرب الدائمة وفي الوسط السريع لانتشار المعلومات، رد فعل العسكريين محدود بالعبارة المقذوفة: الحرب الإعلامية. بغض النظر عن الكلام الكثير الذي قيل عن الحرب الإعلامية، فالمتحدثون غالبيتهم كالمراهقين الذين ينسجون مغامراتهم من الخيال، الجميع يريدون التفاخر، لكن لا أحد لديه الخبر اليقين. نحن أعطينا المال لمقاولين، كي نسمع الأشياء ذاتها المعروفة، بحوث تتلو أخرى. منذ اليوم قرّرنا، أن الحرب الإعلامية هي مسألة تقنية، نفس الشيئ، الذي يفترض أن جهاز آلة التسجيل أكثر أهمية للموسيقى من الموسيقي نفسه.
هذا ليس سيئا ً. نحن نُعتبر أرباب الحرب المعلوماتية، ونحن في النهاية، سنستطيع وضع تحديد لها. سنترك هذه البهرجة للعلماء. عندما يدور الحديث عن تقنيتنا ( أية تقنية هي تقنية حربية)، فان ذلك يعني أن الروس لا يستطيعون الوصول إليها، والعرب لا يستطيعون منحها لأنفسهم، ولا أحد يستطيع سرقتها في لمح البصر، كي يُقلص الهُوة. شبح واحد كبير، الصين وصلت إلى معدلات نمو مذهلة، لأن الصينيين تأخروا في اجتياز الثورة الصناعية بعدد سكان يتجاوز المليار. بدون خلخلة في الثقافة تعيد تثمين الحرية المعلوماتية في المجتمع، فالصينيون لن يصلوا بتاتا ً إلى مستوانا.
صحيح، الثقافات الأخرى تعيد التفكير في تماثلها، في العادة دون نجاح ملحوظ، وهي أيضا ً، تحاول تلافي تأثيرنا. لكن الثقافة الأمريكية هي متعة معدية، وأنتم ليس محتما ً عليكم أن تموتوا منها، كي تُنسف وحدتكم وقدرتكم على المنافسة. مقاومة الثقافات الغريبة الأخرى نفسها للتغلغل الأمريكي، بصورة حاسمة، تلهي طاقاتها عن الطموح إلى المستقبل. لا يجب علينا أن نخاف من مجيء التطرف أو الأنظمة الرافضة لنا، لأنهم يضمنون انهيار شعوبهم، مضاعفين في الوقت نفسه تفوقنا.
بالطبع، صعب على القادة العسكريين فهم الحرب، المعلوماتية أو أية حرب أخرى، بهذا المفهوم الواسع. لكن هوليود " تُعد ميدان الحرب"، وتتقدم الهمبورغر على الرصاص. الراية تقتفي أثر التجارة. بغض النظر عن استسلامنا بعد الانتصار في ساحة المعركة في مقديشو، صورة القوة العسكرية الأمريكية ليست فقط تردع، بل هي وسيلة في الحرب النفسية، دائمة التأثير على خصومنا. صدام حسين امتلأ أهمية، لكن صورة الجيش الأمريكي الذي سحق العراقيين في ميدان القتال، تؤثر بقوة أكبر من آلاف القنابل الملقاة على الرمال. الكل يخافنا. هم واقعيا ً يؤمنون بأننا يمكننا أن نفعل كما في السينما. إذا كان الطرواديون قد "رأوا" أثينا، التي توجه الإغريق، فان العراقيين رأوا الجندي الذي يقود دبابة " ماكافري". حلفنا اللاواعي، حلف الثقافة مع القوة القاتلة، هو محصّل القوة القتالية، الذي لا تستطيع أية حكومة، بما فيها حكومتنا، عدم اختراعه أو أن لا تسمح به لنفسها. نحن سحرة ما فوق العادة، وسوف نستمر بهذه الروح العالية.
حركتنا داخل القياسات العسكرية التقليدية في اتجاه الحرب المعلوماتية، كان يمكن أن تستمر عشرات السنين. علاقتنا مع التجميع، وبالأخص، مع توزيع المعلومات داخل القطاعات العسكرية، في قطيعة مع العسكرية التقليدية الدولية، التي تنص على أن المعلومات الحاسمة تتركّز فقط في الأنساق العليا. بمحافظته على الخضوع الأفقي، جيشنا ديمقراطي معلوماتيا ً . مؤهلاتنا أدخلت إلى الخدمة نظام لامركزية المعلومات، واتخاذ القرار، وهذا اختراق ثوري ( الألمان قبل عام 1945 م ادخلوا نظام لامركزية اتخاذ بعض القرارات التكتيكية، لكن فقط في حدود مُنظمة ضيّقة ـ فهم لم يستطيعوا السماح بانتشار كبير للمعلومات). لا أحد من القادة العسكريين يأذن بهذه الثقة للملازمين وللعرفاء وللجنود العاديين، ولا أحد سيأذن في المستقبل. في الواقع، انتشار المعلومات في قواتنا المسلحة، أكبر مما نتصوره. السلوك النفعي اليومي يقلب التراكيب القديمة، تلك مثل القطاعات والأركان، بحيث تبقى التصنيفات القديمة خاصة، بينما السلوك يتغيّر. ما الذي يجمع، فرقة عسكرية في العام 1997 م، وفرقة من زمن الحرب العالمية الثانية، عدا الراية؟ حتى لو قاوم التقليديون إصلاح القوات المسلحة، فان" فوضى" الملازمين تُكوّن جيش الغد. قيادات الكتائب لا يفهمون قدرات ملازميهم والجنرالات لا يستطيعون النوم ليلا ً، إذا ما علموا، ما يعلمه قادة الكتائب. في حين نحن نتجادل حول التغيرات، الجيش نفسه يتغير. مُشاة البحرية يقومون بعمل رائع، لاختراع أنفسهم مرة ثانية، مستبقين مع ذلك الجوهر دون تغيير، وإنجازهم يجب أن يُرحب به الجيش. السلاح الجوي وسلاح البحرية يبقيان شديدي الرُتبية.
الثقافة ـ هي القدر. البلدان، العشائر والجنود المتفرقون، هم منتجات ثقافتهم، وهم إما يحظون بالثقة، أو يبقون عاجزي الإرادة. الأغلبية من سكان هذا العالم ـ أسرى ثقافتهم، وهم لا يستطيعون النهوض ضد ما لا يوافقهم، مما لا يستطيعون تقبُله أو تفاديه. مباهاة بعض القادة الآسيويين اليوم بخصوص انحطاط وضعف وهشاشة الثقافة الأمريكية، تُذكر بديماغوجية العسكرتارية اليابانية قبل حرب المحيط الهادي. أنا لا أفترض أن أحدا ً ما من هؤلاء القادة ينوي أن يهاجمنا، هم فقط غير مُحقين. الحرية دائما ً تبدو ضعيفة لأولئك الذين يخشونها.
عشية سقوط الاتحاد السوفييتي، بعض المعلقين صرحوا بأن الحرية قد انتصرت وحلّت نهاية التاريخ. لكن للحرية دائما ً يوجد أعداء. مشكلة الحرية في أنها دائما ً واسعة جدا ً بالنسبة للطغاة، سواء كانوا دكتاتوريين عنصريين، أو دكتاتوريين دينيين، زعامات رفيعة، أو أزواجا قساة. الحرية تتحدى النظام الموجود، تكشف التطرّف، تفتح القدرات وتتطلب المسؤولية الشخصية. ما الذي يمكن أن يمثل التهديد الأكبر للثقافة التقليدية؟ ظهور قرن معلوماتي جديد فتح فصلا ً جديدا ً في نضال الإنسانية من أجل الحرية، ومع الحرية. سيكون هذا الفصل دمويا ً، مع الكمبيوترات والرؤوس المحطمة. المهمة رقم واحد للحكومات غير الغربية في السنوات العشر القادمة، ستكون إيجاد طريقة لضبط سيل المعلومات في داخل مجتمعاتها. هذه الدول ترتكب خطأ إن هي سارت في طريق التحفّظ المعلوماتي، وتقوّض قدرتها على المنافسة. انهيارهم مبرمج.
القرن الحالي بالفعل سيكون أمريكيا ً، لكنه سيكون كثير المشاكل. جيش الولايات المتحدة الأمريكية لن يُضيف ولا خط شرف واحد إلى علمه. نحن سوف نقود الحرب المعلوماتية، لكن سوف نستخدم المُشاة. ونحن سوف نُدهش أولئك الذين ينتقدوننا في الداخل وفي الخارج، الذين سوف يُنذرون بتقهقرنا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...