2010/08/06

متى تنام "ميوكو" في سلام؟


ميوكو فاتنابي مواطنة من هيروشيما مازالت تذكر حتى الوقت الراهن، زرقة السماء الصافية و"اليوم الصيفي الرائع " السادس من أغسطس 1945 م .
تمسك ميوكو بخارطة للمدينة، وتشير إلى مكان في وسط مدينة هيروشيما، حيث سقطت القنبلة الذرية. ومن بعد تشير إلى موقع بيتها " على مسافة 2,2 كيلومتر من العلامة الصفرية للقنبلة ". في تلك السنة المأساوية كان عُمرها 15 سنة .
تتذكر كيف استحال لون السماء فجأة إلى الأصفر الفاقع والبرتقالي والبنفسجي في الساعة 8:15 عندما أُسقطت القنبلة على هيروشيما. وتذكر أيضا، كيف اختبأت في زاوية منزلها، تقول: " هكذا علمونا في المدرسة، عندما شرحوا لنا طرق الوقاية من الغارات الجوية". جناح كامل من البناية انهار في رمشة عين.
ميوكو تتذكر وجه أمها الملطخ بالدماء وأولئك الهائمون في الشارع المحترقة جلودهم المذهولين من الرعب، وقد انتصبت شعورهم واقفة، بعكس قانون الطبيعة.
تتذكر طفلا صغيرا يحاول الرضاعة من صدر أمه الميتة، ورائحة عفنة تحوم في المدينة، لا تزال ميوكو تشعر بها في أنفها حتى الوقت الراهن.
رجع والدها إلى المنزل جريحا ونصف عار، لقيّ حتفه بعد عشرة أيام، فيما عذّب سرطان الدم شقيقها سنوات طويلة حتى توفى بهذا الداء الخبيث عام 1963 م.
في هذا اليوم بالضبط، الذي حكت فيه ميوكو قصتها المفجعة، وجه رئيس وزراء اليابان الأسبق دزيونتيرا كوئدزومي نداءً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طلب فيه أن تمنح الأمم المتحدة بلده مقعد العضوية الدائمة في مجلس الأمن .
ميوكو خاب ظنها في رئيس وزراء بلدها. هي خائفة من أن تحطم تصورات الكبرياء لديه حجر زاوية السياسة اليابانية ما بعد الحرب إذ أن وضع العضو الدائم في مجلس الأمن يُلزم اليابان تغيير دستورها المسالم، ويفرض عليها المساهمة بنشاط في العمليات العسكرية في "المناطق المشتعلة".
كوئدزومي وعد شعبه بأن اليابان لن تدفع هذا الثمن الباهظ كتغيير الدستور في مقابل مقعد دائم في مجلس الأمن. وقد أعلن أيضا أن المادة التاسعة من الدستور الياباني، والتي تحرم على بلاده استعمال القوة العسكرية في حل المنازعات الدولية، لن يتم حذفها .
مبادرة كوئدزومي ترتكز على ثلاث حجج. الأولى نقد مثالب هيكلية منظمة الأمم المتحدة، والتي تضع العوائق أمام الحلول القانونية للمشاكل الدولية .
الأمم المتحدة أسستها 51 دولة بعد الحرب العالمية الثانية. الآن بعد مضي ما يزيد عن 60 عاما، في عضوية الأمم المتحدة توجد 191 دولة ، إلا أن نشاط المنظمة الدولية لا يزال تحت هيمنة روح مؤتمر يالطا الذي منح أعلى وضع "للمنتصرين" في الحرب، وسمح لهم بتحديد النظام الدولي، متجاهلا أن العالم تغير كثيرا منذ زمن بعيد.
حجة كوئدزومي الثانية تستند إلى نقد التناقض الضخم بين مساهمة اليابان المالية في الأمم المتحدة ووضعها في هذه المنظمة، فاليابان قدمت للأمم المتحدة في عام 2003 م 263 مليون دولار، أي ما يُشكل 19,5 % من ميزانية الأمم المتحدة السنوية ـ وهذا أكثر من مساهمة روسيا، والصين، وبريطانيا العظمى، وفرنسا مجتمعة. المساهمة الأعلى هي فقط مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تصل نسبتها إلى 22% .
كما قال الخبير السياسي الأمريكي روبرت كاغان عن النظام الدولي " الولايات المتحدة الأمريكية تحضر الغذاء، وأوروبا تغسل الصحون ". الوقحون يقولون، إن الوقت حان لمشاركة اليابان منذ فترة طويلة في "عملية الطبخ" . اليابان تعبت من أداء دور " المغفل العالمي " وهي تطالب الآن بالاعتراف وبالشرف .
خصصت اليابان 13 مليار دولار في صورة مساعدات للدول التي خاضت الحرب في الخليج العربي في عام 1991 م. نقد المجتمع الدولي المتعالي، والذي يزعم أن اليابان "لم تبذل مجهودات كافية" كشريك دولي ـ قصد به الحضور العسكري الياباني في ساحات القتال. اليوم هذا النقد يجد صداه في الأروقة السياسية في طوكيو، واليابانيون استفادوا من هذا الدرس، فمنذ ذلك الوقت واليابان تقدم مساعدات إنسانية بمقاييس ضخمة، وتشارك بشكل مباشر في دعم السلام في كل أنحاء العالم. المدهش بين كل تلك المهام ـ أعمال إعادة النهوض بالاقتصاد العراقي، والتي يقوم بها 550 من رجال قوات الدفاع اليابانية .
يفترض الموظفون الحكوميون اليابانيون أن هذه الجهود كافية تماما، للحصول على المكانة المأمولة في مجلس الأمن، ويحاولون مجابهة كل العوائق المختلفة التي تقف في هذا السبيل، ومنها موقف جارات اليابان ـ كوريا، وبالأخص الصين، التي لها حق النقض في مجلس الأمن، وأيضا تلميحات وإشارات واشنطون، بأن ضم اليابان إلى مجلس الأمن الدولي يتطلب إجراء إصلاحات دستورية، ومنها أيضا موقف المنافسين الإقليميين الذين ينظرون إلى أي مشروع لتوسيع مجلس الأمن الدولي انطلاقا من مصالح الأعضاء الدائمين، الذين يريدون الحفاظ على سيادتهم.
يوجد أيضا من يعتقد بأن سعي طوكيو إلى الرفع من مكانتها الدولية، يُعد انبعاثا للروح القومية اليابانية، في حين يفترض آخرون أن مناهضة الروح العسكرية تغلغلت في عمق وعي المجتمع الياباني . إلا أن كون اليابان، هي الدولة الوحيدة في العالم ضحية القصف النووي، فان ذلك يعطيها الحق في أن يكون لها صوت مدوي في مجلس الأمن الدولي، الصوت الذي ينقص المجتمع الدولي اليوم .
تسعى اليابان في الظروف الحالية، حين تتوتّر الأوضاع الدولية من جديد، إلى تحويل منظمة الأمم المتحدة إلى منظمة تناضل ليس فقط ضد التهديدات العسكرية، بل وضد الفقر، كما أنها تدعو إلى التخلص التام من أسلحة الدمار الشامل في عالم مقدس ومستقر، يتلافى أي تكرار لمأساة هيروشيما.
اليابان ترغب في توفير الظروف المناسبة التي تجعل ميوكو تنام في سلام وهدوء.

بقلم: أدار بريمور

ترجمة : د. محمد الطاهر الحفيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...