2009/11/18

الجسرُ، الذي أردت عبوره


يسمي ميلان كونديرا في إحدى رواياته السؤال جسر التفاهم، الواصل بين إنسان و آخر. هذه المقارنة تعمل في كلا الجانبين. السؤال يشبه الجسر، والجسر يشبه السؤال الذي يطرحه الإنسان على الزمان وعلى المكان ــ ماذا إذا ً في الجهة الأخرى ؟ ربما توجد جسور، تشبه أكثر الإجابات.
عندما كان لي من العمر أثنا عشر عاما، كان من عادتي ركوب دراجتي في كل يوم والمضي في الطريق الرئيسي باتجاه القناة، التي بنتها لجنة إدارة معسكرات الاعتقال الحكومية.
عندما تصل إلى القناة، تجد الطريق الرئيسي يمتد فوقها، متحولا إلى جسر، تسنده قنطرتان معدنيتان ــ الجسر كان يشبه قوس رماية مقلوب وتره إلى أسفل. كان يوجد تحته شريط من رمال النهر الصفراء، كانت هي هدفي. مرات كثيرة بنيت من الرمال بيوتا، تحطمت، كلما أبحرت بالقرب باخرة أو سفينة كبيرة. راقبت مستلقيا ساعات على الشاطئ، وميض الشمس المنعكس على زجاج الجهة الأخرى من القنال، والسياجات الخشبية البعيدة، ولمحتُ بساتين فواكه مغبرة الخضرة. ومن الغريب أنني لم أعبر هذا الجسر بتاتا، رغم أنني أحيانا أردت ذلك.
 بعد خمسة عشر عاما، وجدتُ نفسي من جديد في هذا الطريق الرئيسي، و مرة أخرى على دراجة. تذكرت الجسر، الذي عزمتُ في وقت ما عبوره.
 التفكير فيمّا سأقوم به آنذاك، ملأني سعادة غير مُنتظرة. فهمت أنني بهذا العمل، أعبر الحدود بين نفسي الحالية ونفسي الماضية، وهذا سيعني، أن ذلك الطفل وأنا ـــ إنسان واحد. انطلقت متمهلا، تملؤني الغبطة كما لو كنت تحت تأثير سحر أخاذ. عندما وصلت إلى الهدف تقريبا، لاحظت شيئا غريبا: الطريق الرئيسي توسّع وخرج إلى اليمين عن المكان، الذي تمدد فيه سابقا. وبعد دلك رأيت جسرا جديدا من الخرسانة المسلحة، تمرّ عليه الطريق الآن. الجسر القديم وقف على بعد مئة متر إلى اليسار ــــ لم يتغير فيه شيئ، فقط الطريق أمامه كانت محطمة، ومن الجانبين تُرك في الفراغ. كان هذا إجابة جيدة.
لكن عندي شك في أن نهر النسيان* ـــ ليس تلك المياه، التي نبحر فيها بعد الموت، بل النهر، الذي نعوم في الحياة خلاله . الجسر هنا تحت الأقدام. لكن هل يوجد له شاطئ ؟ الحدّ، الذي أمضي من خلاله، لا أتذكّره . الحدّ، الذي أقترب منه، لا أراه. هل يمكن القول، إنني ذاهب من مكان ما أو إلى مكان ما ؟ على أي حال يعزيني شبهُ الحياة بنزهة على الجسر، الذي يئست من عبوره. أفكّر أحيانا، في حقيقة الأمر، أليس صحيحا أنني لم أفعل أيّ شيء.. أي شيء في هذه الحياة.. قِسْتُ بخطواتي فقط هذا المعلّق في الفراغ قطعة لا تقود طرقاتها إلى أي اتجاه ـــ الجسر، الذي رغبتُ جدا في عبوره.

فيكتور بيليفين

ترجمة: د.محمد الطاهر الحفيان





*leta - وردت في الأساطير الإغريقية بمعنى نهر في مملكة الموتى تحت الأرض.(المترجم)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...