2013/11/19

الطريق إلى غرغور...



مرت مصراتة، المدينة الساحلية الوادعة بامتحان قاس قلب مجريات حياتها بشكل حاسم إذ أنها اضطرت في وقت قصير إلى التخلي عن طبعها المسالم بنفير أبنائها في حرب ضروس قدمت خلالها تضحيات جمة، وعانت أهوال القصف والقنص والحصار أكثر من غيرها.

تجاوزت مصراتة محنة الحرب التي أدت الى إلحاق دمار هائل بها، كما تركت جراحا غائرة في نفوس أهالي المدينة، تحول بعضها إلى تيه بالانتصار وانكفاء على الذات، تقوى ببروز قيادات تقليدية هيمنت على المدينة وقراراتها المصيرية ما أدى إلى وقوعها في أسر أحقاد تاريخية قديمة حرمها من أن تكون عاملا إيجابيا في لم ما تفرق وجبر ما انكسر وإزالة ركام الحرب وتضميد جراحها الغائرة رهانا على مستقبل وطني زاه.

 هيمنة قيادات تقليدية بأفق ضيق على سلطة القرار في مصراتة أدت إلى إبعاد قوى أخرى متحررة من ربقة الماضي وإرثه الثقيل مثل حسن الأمين، ليبدأ المسير الإرادي الخاطئ نحو الهاوية، ما وجد صداه في غرغور حيث تجسدت بوضوح سياسات المكاسب الآنية والصراع بهدف الاستحواذ على المغانم وطلب المزيد منها.
الطريق إلى غرغور حرم مصراتة من الكثير من مكاسبها ومن تضحياتها وحولها إلى لاعب جشع في وسط أناني مشابه.

 مصراتة مدينة تتميز بالكثير ففيها قاعدة صناعية وتجارية هامة ترفدها كفاءات علمية لا يستهان بها وهي مؤهلة أكثر من غيرها إلى لعب دور توافقي موحد للفسيفساء الليبية الواهنة ما يفتح أمامها أبواب المستقبل على مصراعيها. أما تفضيلها اللعب العشوائي بحسابات الماضي، فهو بلاشك كارثة وطنية ومحلية بكل المقاييس.

لا تستطيع مصراتة العيش إمارة معزولة مكتفية بذاتها. هذا خيار ضيق سيحولها من مدينة تجارية قوية إلى كتيبة قتالية تستنزفها وتقزمها وتعطل إمكانياتها.
ليست مصراتة وحدها سبب الورطة الليبية التي تزداد سوءا يوما بعد آخر، لكنها أحد عواملها النشطة.. إذا خسرت ليبيا مصراتة فسيطول درب آلام الجميع. وإذا تمكنت هذه المدينة الضحية من تغيير مسارها بالرهان على المستقبل لا على الماضي، بالرهان على الوحدة لا الفرقة، فسيكون لها شأن كبير، وستشهد ازدهارا اقتصاديا سريعا يضعها في المقدمة ليس في ليبيا فقط بل وفي شمال إفريقيا.

أمام مصراتة وكل اللاعبين المشابهين طريقان. الأول هو طريق الغنائم وتصفية الحسابات القديمة والجديدة خارج العدالة. ويؤدي هذا الدرب حتما إلى غرغور وإلى ما هو أنكى وأشد تدميرا ويقرب الجميع من هاوية الحرب الأهلية، ما يعني ضياع كل شيء.
أما الثاني فهو ببساطة الاحتماء بالدولة وبمؤسساتها من أخطار قاتلة كامنة ابرزها القاعدة وأخواتها. هذا الطريق يتطلب الاندماج الكامل في المحيط بدل معاداته والدخول في صراع عبثي لا طائل منه غير الفناء البطئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...