2013/07/08

ليبيا .. وسلالة النفط النبيلة!

عملية النقد الذاتي على أهميتها إلا أنها مهمة شائكة ومتشعبة، إذ كما هو معروف العورة هي ما يبدو من " سوءة " الآخر، لا ما يبدو منها لصاحبها.
وفي كل الأحول تستحق المهمة العناء، رغم أنها محفوفة بالمهالك.

الليبيون خرجو إلى الدنيا في بعض الأحداث والمواقع باستحياء عبر التاريخ. وإذا استثنينا الشائع المستهلك مما يتحدث به انصاف المثقفين حول دور لنا حضاري مميز في منطقة البحر المتوسط، بطريقة لي أعناق الحقائق وتدجينها قسرا، أو اقتباس جمل مجتزئة لهيرودوت مثلا، فالواقع أن تاريخنا ليس فيه ما يستحق الذكر لأسباب موضوعية لا مجال لذكرها في هذه المناسبة.

ظهورنا المعاصر للعالم بدأ بوصول الحملة الايطالية إلى شواطئنا عام 1911. عَبَر الغزاة البحر، ودخل القرن العشرون إلى نجوعنا التي توقف الزمن في مضاربها منذ قرون.

اكتشاف النفط كان بعثا جديدا لليبيا. اكتشاف جعلنا مثل نجوم الفن محط الأنظار والرصد. تكويننا الحضاري البسيط بعد أن اختلط بالزيت الأسود أدى إلى تكون شعور داخلي لدى مواطنينا ومواطني جميع البلدان المشابهة بالطبع بالتميز والرفعة كما لو أننا من سلالة ملكية عريقة يجري الدم الأزرق في شرايينها وأوردتها.

هذا الشعور تواصل وازداد تمكنا حتى في فترة حكم القذافي حين كنا مخدرين بالمؤثرات العقلية التي ما فتأ يتفنن في ابتكارها، وتجربتها في أنسجتنا المستسلمة. لم نكن أغنياء، لكننا كنا نشعر بالراحة والاكتفاء، بل وبالتميز عن جيراننا، إذ لا أحد يموت جوعا مع أكداس المواد الغذائية المدعومة رغم ضآلة الدخل. كما أن ذاكرة المجاعات التاريخية، وتأصل حياة الكفاف، وقلة المعرفة والثقافة جعلت الأمور تبدو لنا زاهية أكثر بكثير مما هي عليه.

الدماء الزرقاء التي أوهمنا بها أنفسنا، ساهمت بطريقة أو أخرى في نشوء عداوة مستحكمة بيننا وبين العلم والثقافة والتجديد والعمل أيضا، إذ أن النفط كان، ولا يزال في كل الأحوال يسد رمقنا، ونحن اكتفينا بما تتفضل به الدولة علينا من فتات النفط في مقابل مواطنتنا لا جهدنا.

بعد انزياح القذافي ونظامه بغارات الناتو وآلاف قليلة من المقاتلين المحليين، تواصل تدفق الدماء الزرقاء في شراييننا، بل وازدادت وصاية النفط الأبدية علينا وعلى قدراتنا الجسدية والعقلية العاطلة عن العمل منذ قرون.

الدماء الزرقاء مع فقر التجربة الحضارية وقلة المخزون الثقافي تنذر الآن بمرحلة جديدة أكثر بؤسا من سابقاتها، هي مرحلة الدماء السوداء.

ما تمكنا من استيعابه وجمعه ومراكمته من خبرات منذ أن أطل الإيطاليون علينا، لا يزال في مراحله البدائية من التفكير الإنساني، ولذلك لا خيال لنا. نعيش في الألفية الثالثة ولا زلنا غرباء عن العصر. نستعمل أحذيتنا القديمة وحبالنا البالية ونؤمن بالطقوس، ونحكم من خلالها. لا نزال بعيدين جدا عن مرحلة التجريد، وعقولنا غير قادرة على الاستيعاب خارج التجسيد، والتقليد، والاستعادة. كل ذلك يجعلنا عرضة لتحول دماءنا الزرقاء المزيفة إلى سوداء.

محمد الطاهر الحفيان





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...