2012/10/24

العَلَم الوطني .. وشُبهة الضلالة!

دخل السلفيون في عدة دول عربية في قطيعة مع  عَلَمهم الوطني، وعده في الكويت أحد ممثليهم الأكثر صراحة مجرد خرقة، فيما امتنع بعضهم، في مشهد استعراضي، عن الوقوف له في مناسبات رسمية تكررت في السنوات الأخيرة في الكويت والجزائر ومصر. وأخيرا وصل هذا الجفاء إلى ليبيا وحدث أكثر من مرة في فترة وجيزة..
 للسلفيين بالطبع مبرراتهم لهذا العداء ولهذه القطيعة الشديدة مع العَلَم الوطني يمكن تلخيصها  في التالي:

1-   الوقوف لعَلَم البلاد يعد نوعا من التقديس.
2-   هذا الفعل ليس واجبا شرعيا.
3-   هو من تقاليد الدول الأوروبية الكافرة.
4-   هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشرك.
 
كما هو معلوم، العَلَم هو أحد رموز الدولة الرسمية والقانونية في العصر الحديث، وُضع ليعبر عن هويتها الحضارية، وليعكس وحدتها الترابية ويمثل سيادتها القانونية.
العَلَم أو الراية ليس بدعة طارئة يمكن نسبتها إلى جهة محددة، بل هو نتاج حضاري تقمص أشكالا متنوعة خلال تطوره التاريخي حتى أخذ صورته المعاصرة رمزا للشعور الوطني، وأداة تربوية له على المستوى الداخلي، إضافة إلى الدور الهام للعلم رفقة النشيد الوطني في المراسم والإجراءات المنظمة للعلاقات الدولية في السلم والحرب.
رغم دور العَلَم الرسمي والقانوني، وقيمته المعنوية الجامعة، نتساءل من أين جاءت شبهة البدعة المحرمة، كما يراها بعض السلفيين المتشددين الذين استندوا على فتاوي وهابية بلسان عبد العزيز بن باز وآخرين تقضي بعدم جواز الوقوف للعَلَم وللنشيد الوطني؟
الشبهة جاءت من مظاهر الاحترام والإجلال، إذ يمثل العلم قيمة رمزية مشحونة بمعاني الانتماء والفخر.
مراسم الوقوف للعَلَم ربما بدت للبعض شبيهة بطقوس العبادة، ولهذا وُجهت أصابع الاتهام وفوهات الفتاوي إليه بما حُمل الموقف منه من شكوك إيمانية لا تستقيم مع معاني العَلَم الرمزية ودوره  المعنوي والقانوني.
يمكن أن تخلو حياتنا من العَلَم الوطني، وعندها كيف سنقدم لأبنائنا وقائع تاريخنا المعاصر؟ بماذا سنصف مثلا رفع العَلَم المصري على الضفة الشرقية لقناة السويس عام 1973 ؟ وكيف ستكون ردة فعلنا إن كرر زعيم دولة مسلمة، يحكمها حزب إسلامي التوجهات، ما قام به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عام 2009 حين رفض الوقوف على عَلَم بلاده، وفضل حمله في يده بدل الدوس عليه..؟ هل سنقطع علاقاتنا مع هذه الدولة ونتهم قادتها بفساد العقيدة؟ 
رفض راية مفروضة من نظام سياسي عنيف وقاس يهيمن فيه فرد على  أجهزة الدولة وسلطاتها، كما كان يفعل القذافي، أمر مشروع وطبيعي، إلا أن تعميمه ومحاربة أخرى ارتضتها الأغلبية، في دولة تتشكل من جديد وتجمع أشلاءها المبعثرة، وتستعيد وحدتها الإجتماعية الممزقة، لا يساعد في التئام الجروح ولا يخدم في شيء العقيدة المتماسكة التي هي جزء أساسي  للمجتمع والدولة في ليبيا.
في هذا السياق يمكن استعادة موقف لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير محمود عبد الرؤوف الذي رفض  بعد إسلامه الوقوف للعَلَم الأمريكي ولنشيدها الوطني في إحدى المباريات عام 1996.. كريس جاكسون كما كان يعرف قبل إسلامه، برر سلوكه  بالقول إنه يرفض تحية رمز للاضطهاد والظلم.. وبعد أن تعرض لعقوبة الإيقاف عن اللعب، وهو العمل الذي يعتاش منه، ظل عقب الحادثة يتأخر عن مراسم تحية العَلَم قبل بدء المباريات تلافيا لهذا المأزق.
على النقيض من الموقف السابق، فان استعراض السلفيين المتكرر لموقفهم المعادي للعَلَم الوطني في عدة دول عربية، أُريد به الإعلان عن منظومة فكرية تنادي، من منطلق خاص، بإلغاء أسس وتقاليد الدولة العصرية برمتها.
أرى أن من يحمل اللواء في مثل هذه المعارك العبثية يستند على ما يمكن وصفه بردة الفعل الصماء التي لا حساب فيها للمصلحة العامة، ولا للظروف المحلية والدولية، ولا جدوى منها غير استنزاف قدراتنا في معارك جانبية تزيد من تأخرنا الحضاري والتقني وارتهاننا في أبسط مقومات الحياة لأمم، تجاوزت منذ أجيال اشكاليات التأصيل واستعادة الماضي، بامتلاك القدرة على معاصرة الحاضر.
 
محمد الطاهر الحفيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...