2012/10/20

سطور من سيرة الأكباش الضائعة


تتناطح الأكباش تتشابك قرونها وتعفر أصوافها بالتراب المغموس بالعرق والدم . بين الفينة والأخرى تصفن الأكباش  وتسهو عن عراكها، تتوقف جامدة تفكر ليس فقط فيما هي مشغولة به الآن، بل  وفي أشياء أخرى بما في ذلك استحضار ماض غابر لا يزال عالقا في ذاكرة الأكباش القوية والمتقدة دائما وبخاصة في ساعات الخطب..
الكبش الذي سعى إلى المعركة، في هذه المرة وفي كل مرة، تسلح بما يكفي من زاد لرفع روحه المعنوية استعدادا لخوض غمار هذه المعمعة وللتغلب على الخوف وحب السلامة والأمن.. الكبش الآخر الذي كان منزويا في خلوته هو الآخر حين هب لمواجهة الدخيل، لم ير إلا براءته الناصعة كبراءة الذئب من دم يوسف، وعدالة موقفه التاريخي في مواجهة عدوان كبش هائج أغوته فحولته وقوته على طلب المزيد من النفوذ على القطيع  وعلى حساب جاره!!
للأكباش منطق يشبهنا نحن البشر، لذلك لا تستخفوا بحركاتهم وسكناتهم! راقبوا الأكباش جيدا وحاولوا أن تعرفوا ما يدور في الحظيرة، فهي لا تخفي نواياها حين تحزم أمرها وتنهض لخوض معاركها المقدسة.. كل معارك الأكباش مقدسة.. منذ بدء الخليقة لم يدخل أي كبش معركة لا تحمل هذه الصفة، إذ أن المعارك المقدسة لها مذاق خاص.. حتى الموت في المعارك المقدسة له طعم خاص.. هذا ما تؤكده شائعات وتقولات تدور حولهم باستمرار. نحن لا نستطيع الإلمام بعالم الأكباش الخفي، وننظر إليهم على أنهم مشروع وليمة حية مؤجلة لا أكثر.. وهذا خطأ كبير، وتاريخي أيضا..  الأكباش رغم الضجيج الذي تصدره أحيانا، لا تنبس ببنت شفة، لذلك لا نشعر بها إلا حين تصطدم قرونها وتنغمس في شجارها المقدس.. حتى شجار الأكباش مقدس.. وهي إن تشاجرت تفعل كل ما في وسعها كي يكون شجارها مقدسا ومتسقا مع مبادئ ما، تفرضها شريعتها السامية.
يموت الكبش ولا يترك ثأره.. هذه إحدى مبادئ الأكباش التي تورث في السر والعلن.. ولهذا السبب يستخف الأكباش بالحياة ويواجهون الموت ساخرين منه.. يمكن القول إنهم يزجون بأنفسهم بين  أحضان الموت، المعفر هو الأخر بالتراب المخضب بالدم، كما لو كانوا يعانقون نعاجهم الأثيرة.. الحياة في عرف الأكباش عبارة عن محطات مملة، روتين ثقيل، هي عادة اجبارية لا أكثر ولا أقل.. هذا الاكتشاف الخطير جعل الأكباش تموت في عز شبابها.. من منكم رأي كبشا وصل إلى العمر عتيا؟ أنا لم أر مثل هذا المشهد لحسن الحظ ولذلك احتفظ باحترام وتقدير  كبيرين  للأكباش ولغموضهم التاريخي..
 لم يكتب تاريخ الأكباش بعد. إن كُتب ستندهشون جميعكم، وستعضون أصابعكم ندما على عدم مقدرتكم على رؤية أحداثه الكبرى عن قرب حين كنتم غافلين أو متغافلين.. للأسف لست متأكدا من إمكانية أن يُكتب تاريخ الأكباش بطريقة مقروءة ومفهومة. الأكباش كما قلت لكم، لا تقيم للحياة وزنا لذلك لا تترك وراءها اي أثر ملموس يمكن من خلاله استحضارها بعد الموت..  لا معالم في تاريخ الأكباش، لا صروح، ولا انجازات . اكتفت الأكباش، لسبب ما، بالإعتناء بأصوافها في أوقات السلم، وتقديمها مادة خام أساسية لكسوة البشرية منذ بدء الخليقة.. لا قبور للأكباش.. هي تعودت، لحكمة ما، أن لا تترك خلفها ما يُزار أو يحكى أو ينقل أو حتى يورث.

د. محمد الطاهر الحفيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...