لا تزال الفرصة
سانحة أمام ليبيا وساستها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة تدوير دفة الأمور بعيدا عن
منزلقها الخطر حاليا..
أسباب
التفاؤل الذي لا يخلو من حذر، لا تكمن في مسلمات يقينية، ولا لوجود إيجابيات ما
على الأرض..
واقعيا ليبيا
تسير بخطى حثيثة نحو الهاوية، وهي تمر بمرحلة تشتت وتفتت مخيفة. فقدت ليبيا حسنات
تجانسها الاجتماعي النسبي وأصبحت رهينة صراع لا هوادة فيه بين قوى متنوعة قبلية
وايديولوجية ومناطقية للسيطرة واقصاء الآخرين..
سياق منطق الأحداث هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من
الخسائر والاحتقان وإلى ضياع وقت ثمين كان
يمكن الاستفادة منه بدل هدره في صراع لا طائل منه.
التحولات
الكبرى في العادة يكون لها مضاعفات قاسية إلا أن مستوى إدارة الأزمة في ليبيا رسميا
ومحليا متدن جدا، ويشي بعواقب قاتلة إذا تواصل أسلوب جبر الخواطر واسترضاء الجميع
من قبل السلطات الرسمية، ومنطق الإلغاء ومصادرة حقوق الآخرين وادعاء الأحقية دونهم
من قبل اطراف الصراع الأخرى.
لم يحدث في
ليبيا انتقال للسلطة بل تشظي أدى إلى تجزئتها وتوزعها في مستويات عدة قبلية وجهوية
وإيديولوجية إضافة إلى سلطة رسمية منتخبة..
هذا الوضع
أعاق الدولة الليبية ونقلها مباشرة إلى صفوف الدول الفاشلة. والأدهى أنه منعها من
حرية الحركة واثقلها بمسؤوليات إضافية مجانية أرهقت الخزينة العامة وعطل جهودها
الحيوية في إزالة آثار الدمار المادي والمعنوي خلال أحداث ثورة 17 فبراير وما
قبلها ورهن إرادتها بمشيئة القوى المسيطرة
على الأرض وبخاصة المسلحة.
حالة التمزق
التي تمر بها ليبيا وما يصاحبها من اقتتال بين الحين والآخر في مناطق عدة لن يكون
في مصلحة أحد، بل إن الوضع الراهن وبال
على الجميع الصالح والطالح الوحدوي والفدرالي الإخواني والعلماني.. وإذا استمر
الحال على ما هو عليه ربما يستيقظ الجميع وسط خراب هائل لا يمكن إصلاحه.
من أجل
مستقبل أولادنا جميعا يتوجب علينا التساؤل وبجدية
وبدون تأخير عن الوجهة التي ننزلق إليها بفوضانا وعصبيتنا وطموحنا وجشعنا.
نحن نتعامل مع بلادنا كما لو كنا سياحا أو غزاة احتلوا بلدا معاديا واستباحوه..
إذا أعمت
بصائرنا أضواء الحرية التي لم نتعود عليها، فعلينا أن نخرج من ذهولنا سريعا قبل أن
نصبح رهينة وضع أكثر خطورة حين لا يكون متاحا إلا الندم.
كما اننا إذا
لم نكبح جماح طغياننا الذي بدأ يخرج عن السيطرة لدى البعض، فلن تجدي نفعا أي نصائح
تُسدى، ولن تجد آذانا صاغية إلا المعاول وهي تنخر بيتنا لتدمره على رؤوس الجميع.
كل المؤشرات
تؤكد أننا نسير وبخطى حثيثة إلى مصير الصومال ولا أريد القول إلى مصير العراق حتى
لا يتفاءل البعض زورا بتعداد الفروق الكبيرة بين البلدين..
ما يحدث في
الصومال منذ عام 1991 نرى بوادره في ليبيا. تشظي للسلطة وتناحر مراكز القوى
القبلية والإيديولوجية (الدينية). وهم هناك لم يتركوا بناءا قائما ولا يزالون
يتقاتلون ويتناحرون وطاب لهم المقام في هذه الحالة.
إذا لم ننقذ
أنفسنا ولم نصن بيتنا فلن يقوم أحد آخر بذلك.. لليبيا وضعها الخاص بفضل ثرواتها
وبخاصة النفط والشمس ولا اعتقد أن الغرب سيسمح لنا بإقامة صومال على شواطئ المتوسط
الجنوبية وهذا ليس بشارة خير.. بل نذير شؤم.
قد يتحمس
الغرب للتدخل في ليبيا إذا تهددت امدادته من النفط والغاز أو عرقلت مشاريعه
المستقبلية لتحويل شمال إفريقيا إلى مصدر لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة
الشمسية.. هذا الوضع سيجعلنا رهائن في يد الغرب وسيفقدنا سيادتنا ويجردنا من
ثرواتنا ويجعلنا كما مهملا لا يقيم له أحد أي وزن.
في عالم
اليوم لا تعيش إلا الكيانات المتماسكة القوية ونحن نتقاتل متسلحين بعداوات وهمية استعدنا بعضها من التاريخ
الغابر لنقف أمام الآخرين كيانا هزيلا هشا يمكن استباحته بسهولة.
من لا يفكر
في المستقبل لا يستطيع أن يبني أي حاضر.. ومن يُرد الخير لنفسه فقط وهو جزء صغير
من جسد أكبر، لن ينله. هذا هو منطق التاريخ وهذه هي صيرورته الأبدية.
من دون البحث
عن حلول وسط وقواسم مشتركة لن تقوم قائمة لأي طرف في ليبيا.. قدرنا أن نتعايش، وأن
يحتمل بعضنا البعض لنملأ الفراغ الكبير الناتج من قلة عدد سكاننا وضخامة ثرواتنا
المتنوعة والتي هي عرضة لأطماع دولية وإقليمية..
إذا عجزنا عن
الاحتفاظ بهوية وطنية تلهمنا إلى الصواب في تعاملنا مع محيطنا، فالأحرى أن نفكر
بالمصلحة. ومصلحتنا في السلم الاجتماعي والمصالحة والاستقرار وبناء دولة نتفق على
شكلها ولونها بسلطة واحدة يتم تداولها ديموقراطيا.. ولا طريق آخر أمامنا يؤدي إلى
شاطئ الأمان. هذا باختصار ما يمكن قوله أمام هذا الخطب.
محمد الطاهر الحفيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق